الموضوع: لحافي قال لي
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2008, 11:52 AM   رقم المشاركة : 1
نورس الشمال




معلومات إضافية
  النقاط :
  الحالة :

 

افتراضي لحافي قال لي


وآدى الربيع عاد من تاني والبدر هَلّت أنواره...انسابت هذه الكلمات عبر الأثير..وتهادت حول أذنيه لتعلن اقتراب أيام الدفء بعد شتاء قارس جمّد الدماء في عروقه...أزاح عن وجهه طرف اللحاف الذي لم يكن النوم يقترب من عينيه إلا إذا غطّاهما بجزء منه هما وأذنيه..وهنا ُخيّل إليه أنه يسمع صوتاً غريباً.. وكانت مفاجأة مذهلة..اللحاف يتكلم..أرهف السمع جيداً فتسللت الي أذنه مرة أخري كلمات هامسة:
ـ لا تتركني
ـ من أنت؟
ـ أنا لحافك
ـ لحافي!!!
ـ نعم أنا
ـ أهلاً وسهلاً
ـ لا تدع زوجتك تُخزنني في دولابها حتى الشتاء القادم..فهذا أمر يحزنني
ـ ولكن الربيع "عاد من تاني" ألم تسمع "فريد"؟؟
ـ سمعته وأحب أغنياته كلها ولكنني أريد أن أبقي بجوارك
ـ ولماذا؟ لقد أديت مهمتك علي خير ما يرام..وأنت تعرف أنني لا أنام إلا وأنت فوق جسمي تمنحني الدفْ
ـ لهذا أطلب منك ألا تدعها تبعدني عنك
ـ لا أرى سبباً مقنعاً لهذه الرغبة..فالصيف علي الأبواب
ـ ألا تتذكر أنك كنت تقوم من النوم قلقاً عندما ينزاح طرفي من فوق أذنيك وعينيك؟؟
ـ نعم أتذكر..أهذا فقط هو السبب؟؟
ـ لا..السبب أكبر من ذلك وأرجو أن تدركه بفطنتك أيها المفكّر الكبير..
ـ لقد دعا لي والديَّ قبل موتهما قائلَين: روح يابني إلهي يحبب فيك خلقه
ـ رحمهما الله..ولقد تحققت دعوتهما فأنا أحبك
ـ شكرا لك علي هذا الشعور النبيل
ـ لا شكر علي واجب..عليك أن تعرف أنني أنا الذي كنت أحصل منك علي الدفء
ـ غريب هذا الأمر
ـ لا غرابة في ذلك...تعال نحللها..أنت قبل النوم وعندما كنت ترفعني عن مرتبة السرير لتدلف تحتي أكنت تشعر بأي دفء؟؟
ـ الحقيقة لا
ـ وبعد أن تتدثر بي بم كنت تحس؟؟
ـ أحس بالدفء
ـ كنت أستمد حرارتي من جسمك أنت يا أستاذ..ثم أعكسها عليك..ألم تكتب ذات يوم أن مصدر حرارة الهواء هو الأرض وليس الشمس مباشرة ؟؟
ـ نعم كتبت
ـ أنا أستمد حرارتي منك ثم أردها إليك..كما يستمد الهواء حرارته من سطح الأرض الذي يمتص أشعة الشمس الحرارية ويعطيها للهواء الذي فوقه
ـ حرارتنا ردت إلينا...فهمت الآن ولكن...كيف أتغطى بك خلال ليالي الصيف الحارة؟؟
ـ لم أطلب منك أن تتغطي بي..كل ما أطلبه هو ألا أغادر مكتبك حيث تنام..بين كتبك ومؤلفاتك..فأنا اعتدت علي ذلك..وأنا من النوع خفيف الوزن سهل الانضغاط..يمكنك أن تلفني وتربطني فيصغر حجمي ولا أشغل حيزا كبيراً.
ـ ولكنني لا أنام في مكتبي كل ليلة..فقط عندما أضطر الي السهر ولا أريد إقلاق زوجتي
ـ يكفيني العدد القليل من الليالي التي تمضيها نائما في مكتبك....بجواري أنا
ـ لا يوجد مكان لدي..كتبي كثيرة ولا مكان لك..من الأفضل أن تكون مع رفاقك من الأغطية والأردية الثقيلة..وأعدك مع أول أيام الخريف أن تكون بجواري مرة أخري
وهنا أخذ اللحاف يبكي بصوت خفيض قائلا:
ـ أرجوك دعني بجوارك..ما لا تعرفه أنني سعيد بوجودي هنا..كل مكالماتك الهاتفية أسمعها..كل أفكارك التي تناقشها مع زوجتك أفهمها..وما لا تعرف كثير كثير.
ـ زدني علماً
ـ وأنت نائم أحيانا أستطيع أن أستشف بعض ما تفكر فيه..ولقد علمت بعد عدة ليالٍ قضيتها أغطيك أن قبلك طيّب وأفكارك خيّرة ولا تضمر شراً لأحد..سواء في َصحوِك أو في منامك
رق قلب الأستاذ وقال:
ـ عندي حلّ
ـ أرجوك..
ـ بما أنك صغير الحجم خفيف الوزن يمكن لي أن أعلقك فوق جدار الغرفة وكأنك لوحة
ـ موافق وأشكرك بشدة
وهنا تقلّب الأستاذ في فراشه فانزاح عن أذنيه وعينيه طرف اللحاف الذي يغطيهما فهب من نومه مسروراً.






توقيع نورس الشمال
 
  رد مع اقتباس