السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
س: أعجب لمسلم يؤدي جميع فرائض الإسلام، ومع ذلك لا يتورع عن الكذب، فهل يعتبر هذا من الصالحين؟
ج : الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين ، وإنما هو من أخلاق
المنافقين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدَّث كذب ،
وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ) (رواه الشيخان) .وفي رواية أخرى ( أربع من كن فيه
كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه واحدة منهن ، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا
حدث كذب ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ) (رواه الشيخان وأبو داود
والترمذي والنسائي من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما). فالكذب ليس من
خصال المؤمنين ، وإنما هو من خصال المنافقين ، الذين يكذبون دائمًا ، ويؤكدون كذبهم
بالحلف ، حتى في يوم القيامة يكذبون أمام الله ويحلفون له كما كانوا يحلفون للمسلمين
في الدنيا ، ويحسبون أنهم على شيء ، ألا إنهم هم الكاذبون . وقد جاء في القرآن
الكريم : ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ) النحل :105
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم . قيل : أيكون
بخيلاً ؟ قال : نعم . قيل أيكون كذابًا ؟ قال :لا )(رواه مالك مرسلا عن صفوان بن سليم .).
من الناس من يكونون ضعفاء النفوس ، يتصفون بالجبن وشدة الفزع . ومن الناس من
يكونون بخلاء ، يتصفون بالشح وقبض اليد . هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع .
ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبًا . وهذا هو الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما
يكون التشديد . وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى
البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند
الله صدّيقًا . وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ،
ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابًا) ( متفق عليه من حديث
ابن مسعود .) فالصدق عادة تكتسب بالتحري ، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود . وعلى
المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق ، وينهاهم عن الكذب . حتى أن
النبي صلى الله عليه وسلم سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة : سأعطيك كذا وكذا . فقال
له : هل تنوي أن تعطيه ؟ قال : لا . قال : إما أن تعطيه وإما أن تصدقه . فإن الله نهى عن
الكذب . قال : يا رسول الله ، أهذا من الكذب ؟ قال : ( نعم . إن كل شيء يكتب . الكذبة
تكتب كذبة ، والكذيبة تكتب كذيبة ) (رواه أحمد وابن أبي الدنيا عن حديث الزهري عن
أبي هريرة ولم يسمع منه .). والكذب يتفاوت قطعًا ، فكلما كان ضرره أشد كان النهي
عنه أعظم والإثم فيه أكبر . هناك كذب يعتبر من الصغائر ، وكذب يعتبر من الكبائر . يقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم
عذاب أليم: شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر ) (رواه مسلم .). هؤلاء المذكورون
في الحديث يرتكبون المعصية دون حاجة إليها ، فالملك أو الرئيس الكذاب ، الذي يدجل
على الناس - والمفروض فيه أن يكون قدوة حسنة إثمه عظيم . والذي يزني بعد أن
تجاوز طيش الشباب إلى حكمة الشيخوخة .. والعائل المستكبر .. فقير .. لا حيلة له ..
ومع ذلك يتكبر أن يسمع الموعظة ، أو النصيحة ، أو غير ذلك مما فيه إرشاد له وتوجيه
إلى الخير. هؤلاء الثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم .