عرض مشاركة واحدة
قديم 22-10-2007, 05:48 AM   رقم المشاركة : 6
الطائر المهاجر
** (عثمان العبدالله) ** المؤسس والمشرف العام
 الصورة الرمزية الطائر المهاجر





معلومات إضافية
  النقاط : 20
  الحالة : الطائر المهاجر متواجد حالياً

 

افتراضي رد: كل ماترغب معرفته عن الشعر العربي


أغراض الشعر العربي
الوصف
المدح
الهجاء
الرثاء
الفخر
شعر الحماسة
الغزل
الشعر السياسي
الزهد ولواحقه
الحكمة
رثاء المدن والممالك

هي تلك الموضوعات التي يتناولها الشعر الغنائي أو الوجداني كالوصف والمدح والهجاء والفخر والغزل وما إليها.
وحول هذه الأغراض، تدور أشعار العرب منذ القديم، حتى أنه من اليسير أن ننسب التيارات الشعرية التي استجدّت في عصور مختلفة إلى واحد من تلك الأغراض، أو إلى أكثر من غرض، وسوف نتتبّع في إيجاز كل غرض عبر العصور المختلفة.

الوصف. ويراد به وصف الشاعر الطبيعة، أو مشهدًا من المشاهد الحية أو الجامدة، أو كائنًا من الكائنات، كوصف امرئ القيس لفرسه، أو مثل لوحات ذي الرُّمَّة الشهيرة في الشعر العربي، أو وصف النابغة لليل وقد امتلأت نفسه بالرعب من النعمان ملك الحيرة. وفي العصر الجاهلي، زخرت المعلقات بالوصف، كما اشتهر شعراء بوصف الخيل خاصة، منهم طُفيل الغنوي والنابغة الجَعْدي، كما اشتهر الشَمّاخ بن ضِرار، وهو مخضرم، بوصف الحُمُر، والقوس، واشتهر أوس بن حجر بوصف أسلحة الحرب. والوصف في الشعر الجاهلي يتَّسم بالبساطة، والحس الفني الذي يجمع بين الرقة والعفوية. والواقع أن الشاعر الجاهلي وصَّاف مصور، فالصورة الفنية عنصر أساسي في شعره.
ولقد وصف الشاعر الجاهلي كل شيءٍ وقع عليه بصره، كالصحراء بكل تفاصيلها والسماء والنجوم والمطر والرياح والخيام والحيوانات والطيور والحشرات، كما وصف أطلال محبوبته والرحلة إلى ممدوحه، بل إنه في سياق غزله قد وصف المرأة وصفًا بارعًا عبَّر ـ في عمومه ـ عن قيم الجمال الأنثوي لديه. بل إن الوصف كان أداته في كل غرض شعري طرقه.
ولا يكاد الوصف ـ في العصرين الإسلامي والأموي ـ يصيبه شيء يُعتدُّ به من التطور، اللهمّ إلا وصف الشاعر الأموي للبيئات الجديدة، بالإضافة إلى وصفه لحياة البداوة على سنة أسلافه في الجاهلية. إذ صور الفرزدق، مثلاً، الثلوج وهو في بعض رحلاته إلى دمشق، كما أن وصف عمر بن أبي ربيعة للمرأة، في سياق غزله، كان وصفًا للمرأة في بيئة أصابها غير قليل من التحول عن البداوة إلى الحضارة، في الملابس والعطور والعادات. وإذا كان ذو الرُّمَّة قد اختص بالوصف واشتهر بلوحاته، بما أوتي من ملكة فذّة، فإن روح البداوة قد ظلت ـ غالبًا ـ تسيطر على عناصر الصورة الفنية لديه.
وفي العصر العباسي، تحول الشاعر، في وصفه، عن البداوة والصحراء إلى وصف مظاهر الحضارة، كالرياض وبرك الماء، وموائد وصنوف الطعام والشراب المستحدثة، والملابس والقصور. وانصرف الشاعر العباسي عن وصف الظباء والغزلان في بيئاتها الصحراوية، إلى وصفها في بيئات متحضرة، كالقصور والبساتين. ولا شك أنَّ ما أوتيه الشاعر العباسي من ثقافات، فضلاً عن اتساع آفاق الحياة، قد أمدّه بقدرة أكبر على التخيّل والتصوير.
ويمكن القول إجمالا: إن الوصف ـ بعد العصر العباسي إلى العصر الحديث ـ قد ارتبط بتطوّر مظاهر الحياة التي يقع عليها حسُّ الشاعر الوصاف، وتطور الثقافات والمعارف، ومن ثم كان الشاعر العربي يلاحق تطور الحياة، كما أن تيار المعارف والثقافات كان يمنح خياله مقدرة أكبر على الوصف، كما نرى في أوصاف أحمد شوقي للنيل وطبيعة مصر، وكذلك شعراء المدرسة الرومانسية كمحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، الذين أوتوا من قوة الخيال والتصوير الشيء الكثير، واقتربوا، في أوصافهم، من عالم الرمز الذي أكسب أشعارهم غموضًا طفيفًا محبّبًا، كما رفدتهم ثقافاتهم المتنوعة بصورٍ جديدة.
المدح. عرف الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر. وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: ¸وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه•.
وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعة النسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه.
وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هو مدح النبي ³. ومن أوضح نماذجه لامية كعب بن زهير بانت سعاد التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه، وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي ³ أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية.
وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهب ومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم.
وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبي لسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا.
وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ماكان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته.
ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول.
ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي.
الهجاء. كان الهجاء في الجاهلية يقوم على التنديد بالرذائل التي منها: الجبن والبخل والسّفه الذي هو ضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعة النسب، وما عرفت به قبيلة المهجو من مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لا تخرج عن الرذائل التي تنفر منها النفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين في الجاهلية الشاعر الحطيئة، وهو من المخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجو جماعة من الناس، فيحتالون إليه بالأموال ليكف عنهم هجاءه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عن هجائهم.
وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا أن الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهجاء إثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بالحبس.
كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا في الهجاء، فاتجه شعراء النبي ³ إلى هجاء المشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسّان ابن ثابت إلى أن يمطرهم بوابل من الهجاء المقذع معاملةً لهم بالمثل، وهكذا وظف الهجاء في خدمة الدعوة.
وفي العصر الأموي، تطور الهجاء إلى صيغة فنية جديدة لم تُعرف إلا في العصر الأموي، فظهر ماعُرف بالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة.
ويتطور الهجاء في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الرومي خاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيار الشعوبية نوعٌ من الهجاء للجنس العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثال بشار وأبي نواس.
كما شاعت معارك الهجاء بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بين حماد عجرد وبشار بن بُرد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضح تيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهجاء، فكانت من التهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهجاء، كما كان يفعل حماد عجرد في اتهام بشار بالزندقة.
ويظل تيار الهجاء ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهة والطرافة، إلى أن يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهجاء إلى أداة فعالة في النقد السياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعض أساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل.

الرثاء. عرف الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بما تميزت به سائر الأغراض من حيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهم في الحروب، كما رثوا موتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهم وبالبكاء الحار عليهم حثًا للقبيلة على الثأر. كما أن المرأة أدّت دورًا كبيرًا في رثاء قتلى الحروب، إذ تذكر المصادر، مثلاً، أن الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلى سوق عُكاظ فتندب أخويها صخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها، ولم تكن الخنساء ولا مثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أو أيام في رثاء موتاهنَّ، بل كنّ يمكثن الأعوام باكيات راثيات، ولا شك أن النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواء في أشعارهن أم في بكائهن وعويلهن. ومن روائع مراثي الخنساء ما قالته في أخيها صخر:
قذىً بعينــك أم بالعــين عُوَّار أم ذرَّفت مُذْ خلت من أهلها الدارُ
كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيضٌ يسيل على الخدَّيــن مــدرار

ومثلما رثى شعراء العصر الجاهلي ذويهم، فقد رثى الشعراء أنفسهم قبل الموت، ورسموا صورًا بالغة التأثير لمآلهم بعد الموت، كقول أحدهم:
قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَث وألبســوني ثيابًــا غـير أخــــلاق
وأرسلــوا فتيــةً من خيرهم حسبًا ليسندوا في ضريح التُّرب أطباقي

ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا في مراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنه ذكر فضائل الميت ومدحه.
وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا أن العقيدة الجديدة أدخلت عليه تطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ما أمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³ تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًا للمشركين وقتلاهم.
وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌ فيمن قتل من رجال الشيعة أو من رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أو تلك وبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعر الرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هو ذا عبيدالله بن قيس الرقيات يرثي ولدي أخيه عبدالله اللذين قتلا في موقعة الحرّة، فيقول:
إن الحوادث بالمدينــة قد أوجَعْـنَنِي وقرعْـن مَرْوتِيَــهْ

إلى قوله يتوعد الأمويين:
والله أبرح في مقدمةٍ أهدي الجيوش عليَّ شكَّتيه
حتى أفجّعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهـم بنسوتيّــه

كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما.
وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلك السيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجته التي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضى يرثيها أصدق رثاء.
وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي أن تشيع مراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أو من مات خارج المعركة. فمن ذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدى القلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمون بموته قائدًا عظيمًا.
كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثين بيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والعلماء والقضاة.
وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماء وقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية، والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتى تبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية.
الفخر. عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراض الشعر، وكان هذا الفخر نوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخر كان فخرًا جماعيًا أشاد الشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هي نفسها التي افتخر بها من شجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحساب والأنساب بين عامر ولبيد والأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص.
وبمجيء الإسلام، ذهبت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله، ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلامية الجديدة، وكما كان حسان يهجو قريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، كما في همزيته التي جاء فيها:
وجبريـــلٌ أمـــين الله فينــا وروح القدس ليس له كِفاءُ

وكما في داليته إذ يقول:
فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتْبعه حتى الممات ونصرٌ غير محدود

وفي العصر الأموي، عاد الفخر القبلي إلى الظهور من جديد، وبخاصة في إطار النقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة.
وكما برز الفخر، في العصر الأمويّ، في إطار النقائض خاصة، فلقد برز أيضًا في إطار شعر الفرق السياسية، وتباينت خصائص هذا الفخر من فرقة إلى أخرى، فكثر فخر شعراء الخوارج بالقيم الدينية، كالتقوى والزهد والشجاعة. انظر: الجزء الخاص بالشعر السياسي في هذه المقالة.
وفي العصر العباسي، ضعف الفخر القبلي، وظهر الفخر الشعوبي لدى أبي نواس خاصة الذي شاع لديه أيضًا نوع من الفخر القبلي بسادته من بني سعد العشيرة القحطانيين. على أن شعر الفخر في العصر الأيوبي قد تحول ـ مع حركة النضال ضدّ الصليبيين ـ إلى تيار عارم يفخر بالانتصارات معبّرًا عن مدى الإحساس العميق بالثقة، والتحدي للأحداث، كما في شعر ابن سناء المُلْك:
سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى وغيري يهوى أن يكون مخلّدا
ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ولا أحذر الموت الزؤام إذا عـدا.

ولقد اختفى في العصر الحديث هذا الفخر القبلي، ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كما ظهر نوع جديد من ذلك الشعر السياسي لدى أحمد شوقي خاصة، يفخر فيه بمصر وبتاريخها كما في رائعته كبرى الحوادث في وادي النيل ولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره، هي همه، بل كان القصد هو إلهاب المشاعر الوطنية والإسلامية. ويمكن أن نضع مسرح شوقي التاريخي في هذا الإطار
شعر الحماسة. وهو شعر الحرب الذي يصف المعارك ويشيد بالأبطال ويتوعد الأعداء. وهذا الغرض قد يبدو في رثاء أبطال الحروب، أو في مدحهم، أو في سياق فخر الشاعر ببطولاته في الحرب، وقد امتزج بوصف المعارك والإشادة بالبطولة. وقد أثمرت حروب القبائل في الجاهلية قصائد حماسية. وتعد معلقة عمرو بن كلثوم واحدة من عيون الحماسيات في أشعار الجاهليين، ومثلها معلقة عنترة التي امتزج فيها الفخر بالحماسة، وقصائد أخرى له.
وقد كانت قصائد الحماسة مادة لإلهاب مشاعر المحاربين، كما عدّها مؤرخو الأدب مصدرًا مهمًا لتاريخ العرب في حروبهم وأسلحتهم وأنسابهم وفضائلهم. كما كانت نماذج رفيعة لشعراء العصور الإسلامية المختلفة.
وكان من الطبيعي أن يظل هذا الغرض قائمًا في العصر الإسلامي، ففي صدر الإسلام، فاضت قرائح شعراء الرسول بحماسيات تصور غزواته وتعبر عن فخر الشاعر المسلم بشجاعته، وتشيد في سياق الرثاء بشجاعة الرسول وشجاعة من لقي ربه من شهداء المسلمين.
وفي العصر العباسي وما يليه من عصور، يظل الصراع مشتدا بين المسلمين وخصوم عقيدتهم من الروم والصليبيين والمغول، وتثمر تلك الحروب فيضًا زاخرًا من شعر الحماسة. ويقف في مقدمة الحماسيين أبو تمام، ومن نماذجه الرفيعة بائيته الشهيرة:
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حَده الحدُّ بين الجِدِّ واللعب

كما صنَّف أبو تمام مجموعته المسماة بالحماسة. انظر: الحماسات. وجعل أشعار الحماسة أول أبوابها وأغزرها مادة، مما يدل على اعتداد المسلمين بالجهاد واتخاذهم من شعر الحماسة مادة لإثراء القرائح الشعرية من جهة، وإلهاب مشاعر الجهاد من جهة أخرى. وقد مضى القول عن أبي الطيب المتنبي، وقصائده في مدح سيف الدولة، أرفع نماذج البطولة في ذاكرة أبي الطيب، تعد بحق أرفع ما فاضت به القرائح من الحماسيات الإسلامية، سواء في دقة وصف المعارك والجيوش والأسلحة، لدى المسلمين والروم، أم في تصوير شجاعة سيف الدولة وجنوده.
ويمضي شعر الحماسة فيما بعد المتنبي ليسجل لنا حروب المسلمين ضد الصليبيين والمغول والتتار. ومع ما أصاب الشعر العربي من ضعف خلال تلك الحقب، فإن الشاعر المسلم لم يقصر، في حدود موهبته، في الإدلاء بدلوه في تسجيل حركة الجهاد الإسلامي.
وفي العصر الحديث، تفيض قرائح الشعراء ابتداءً من البارودي الذي رددت حماسياته أصداء الشعر في أزهى عصوره، خاصة في قصائد الفخر التي رددها في سرنديب. كما أثمرت قريحة أحمد شوقي الفذّة حماسيات أُخر كان يصف بها معارك العثمانيين. كما أن قصائد شوقي الوطنية تعد بحق شكلاً جديدًا متطورًا من شعر الحماسة.
الغزل. عُرف الغـزل منـذ العصر الجاهليّ، ويدلنا تراث هذا العصر من شعر الغزل على رقة مشاعرهم، كما يسجل لنا معاييرهم في جمال المرأة. ومن أشهر المتغزّلين في هذا العصر: عُروة بن حزام العُذريّ الذي أحبَّ عَفْراء ابنة عمه، ومالك بن الصمصامة الذي أحبَّ جنوب بنت محصن الجعديّ، ومسافر بن أبي عمرو الذي أحب هندًا بنت عُتبة. على أن قصة عنترة وابنة عمه عبلة أشهر من أن تذكر. وكانوا في مقدمات قصائدهم يبكون ديار أحبتهم في حنين جارف، كما كانوا مشغوفين بذكر رواحل محبوباتهم حين يرحلن من مكان مجدب إلى آخر خصيب. وفي معلقة امرئ القيس مقدمة غزلية باكية فيها ذكر الحبيب ومنزله، ويقال: إنه كان أول من بكى واستبكى. كما أن زهيرًا في معلقته قد بدأها بوصف طويل لارتحال محبوبته.

وقد مضى العصر الجاهلي، والقصيدة العربية، إلا النادر منها، لا تستقل بغرض الغزل، وإنما كان الغزل يرد في مقدمتها فحسب.

وفي العصر الإسلامي، وجدنا كعب بن زهير يستهل لاميته الشهيرة في مدح رسول الله ³ بذكر سعاد والتغزل بها، حتى اشتهرت لاميته تلك بقصيدة: بانت سعاد. إلا أن الإسلام كان له تأثيره في الغزل بحكم تأثيره الأخلاقي في المجتمع، وبخاصة في العلاقة بين المرأة والرجل، ومن هنا اتسم الغزل في العصر الإسلامي بالطهر والعفة، وشاعت في ثناياه بعض الأفكار الإسلامية.

على أن الغزل، في العصر الأموي خاصةً، قد أصابه تطور ملحوظ فلم يعد مجرد مطلع في قصيدة، بل استقلّت بالغزل قصائد تامة. وقد اشتهر بالغزل عمر بن أبي ربيعة ولم يتطرق إلى أغراضٍ سواه، حتى أوقف على الغزل ديوانه كاملاً. كما عَرف العصر الأموي تيارين للغزل هما الغزل اللاهي، أو ما سماه الدارسون بالغزل الصريح حينًا والحسّي حينًا آخر، وتيار الغزل العفيف، أو العذري.

الغزل العذري فن شعري تشيع فيه حرارة العاطفة التي تصور خلجات النفس وفرحة اللقاء وآلام الفراق، ويحفل بوصف جاذبية المحبوبة وسحرها ونظرتها وقوة أسرها، ولا يتجاوز ذلك. ويقتصر فيه الشاعر على محبوبة واحدة ردحًا من حياته أو طوال حياته. وسُمِّي عُذْريًا لأن أول من اشتهر به من قبائل العرب هم بنو عُذْرة، ثم أصبح الغزل العذري بعد ذلك فنًا ينطبق على كل من نهج نهجهم وذهب مذهبهم، وعبَّر عن أحاسيسه وعاطفته تعبير الشعراء العذريين.

عُرف الغزل العذري منذ الجاهلية، إلا أنه تميَّز تميُّزًا ظاهرًا في صدر الإسلام، وفي عهد بني أمية،حيث أصبح مدرسة شعرية قائمة بذاتها، حين انقسم شعر الغزل إلى اتجاهين: عذري وصريح. وقد انتشر الغزل العذري في بادية الحجاز حيث يقيم بنو عذرة، وفي عالية نجد حيث تقيم القبائل الحجازية النجدية. وقد كانت ظروف المعيشة والواقع الإسلامي من أسباب انتشار الغزل العذري في بيئات البادية التي تحولت في هذا العصر إلى حياة جديدة في قيمها ومُثُلها ومعارفها فحافظت على الطُّهر والنقاء.

كان شعراء الغزل العذري في وضع اجتماعي أقرب ما يكون إلى الكفاف والقناعة؛ إذْ لم يحسنوا التكيف السريع مع مستجدات الأحداث، ولم يستطيعوا البقاء على حياة الجاهلية الأولى التي كانوا يعيشونها قبيل الإسلام. وعندما انتقلت قوة القبائل وشوكتها إلى الأمصار وانتقل جلّ شبابها مع الفاتحين، لم يبق في بادية الحجاز غير أولئك الذين لم يستطيعوا ترك بلادهم وأهلهم. وقد تأثروا بالإسلام وطُبعت حياتهم الجديدة بشيء غير قليل من التغيُّر؛ فعبروا عنه بالزهد في الحياة وملذاتها، ووجدوا في الشعر تعويضًا عن مطامح الدنيا التي لم يستطيعوا مواجهتها، كما وجدوا قبولاً لدى الناس لهذا الفن، عوَّضهم عمَّا فقدوه في واقعهم الاجتماعي.

وأصبح للشعر العذري عناصر مشتركة حافظ عليها الشعراء ولم يتخلوا عنها، وهي وصف حدة الهجران والحرمان، ومعاناة الصبر، وتأجج نار الحب، واحترام العلاقة بين العاشقين، والأخذ بالعفة والرضى بالعلاقة الطاهرة. وإذا كان الغزل العذري استجابة لظروف بيئية، واتبَّاعًا لعادات وأعراف اجتماعية ساعدت على نموه في نفوس الناس؛ فإنه قد اتخذ العاطفة الصادقة سبيلاً لشرح العلاقة بالطرف الآخر، فقويت بواعثه في نفوس بعض الشعراء حتى أثمرت العلاقة الطاهرة التي تستجيب لفطرة الإنسان وتحترمها.

ولا يتخذ الغزل العذري مظهرًا واحدًا عند المحبين جميعًا، فهو هادئ عند بعضهم، ثائر عند آخرين، يلامس بعض النفوس فتقوى لديها عاطفة الحب حتى تستبد بالشاعر، فيصف لواعج الحب ولهيب الجوى الذي يكتوي به قلبه، وهو عنها راضٍ ليعيش في حب دائم لا ينقطع، وإن انقطعت أسبابه من الطرف الآخر، حتى يصير شعره أنينًا وتضرُّعًا، ولكنه لا يجد راحة ولا ييأس من وصْل المعشوقة على كل حال.

وقد قويت مظاهر الغزل العذري فارتبطت بالتغيُّرات الاجتماعية التي طرأت على حياة الناس وارتبطت بواقعهم خلال فترة زمنية طويلة. كان الإسلام مشجِّعًا على العفة، ومنظِّمًا لعلاقة الرجال بالنساء. وقد منع الاستجابة العشوائية للشهوة إلا عن طريق مشروع، وسما بالعقيدة والعلاقة والأخلاق، فكان عاملاً من عوامل الحب العذري ودافعًا إليه.

وقد تحدَّدت العناصر الأساسية التي يعتمد عليها الغزل العذري في أمور أهمُّها :

المعاني بسيطة مباشرة لا يتعمق فيها الشاعر ولا يُدقِّق في دلالاتها، وليست موطن اهتمامه وتعهده، ولا يحرص عليها أو يُجوِّدها. كلُ هَمه أن يعبِّر عن العاطفة التي تجيش بها نفسه. ولذا تتصف معاني العذريين بالفطرة والسذاجة والبعد عن التعقيد اللفظي.

الصدق. تغلب روح الصدق على الشاعر العذري، فهو يقنع مستمعيه بحرارة عاطفته وأمانة وصْفه لما يعبِّر عنه من شعور نحو محبوبته، فتظهر كلماته صافية لا يلوِّثها الخداع الاجتماعي والنفاق والمداراة التي قد تكون عند غيره من الشعراء.

خصوصية الحب.لا يتحدث الشاعر العذري إلا عن محبوبة واحدة فلا يتجاوزها إلى غيرها، ولا يتحول حبه عنها، فهي داؤه ودواؤه، وهي حبه الوحيد ومطلبه الأبدي. وبسبب ذلك، ارتبط اسم كل شاعر بحبيبته، وصارا متلازمين، فنقول: عروة عفراء، وجميل بثينة، وقيس ليلى، وكثير عزة، وقيس (ابن ذريح) لبنى.

الأسلوب سهل مباشر يتَّجه فيه إلى الغرض الأصلي دون المرور بالمقدمات أو الأغراض الأخرى التي يهتم بها الشعراء غير الغزليين.

العفة. أظهر ما يميِّز الشعر العذري عفة الأساليب، وطُهْر القول، وبساطة العرض وسهولة المعنى.

اليأس. يعيش الحب العذري على اليأس أكثر مما يعيش على الأمل، ويصف المرأة بأنها مُعرِضةٌ متمنِّعة قلَّما تستجيب له أو تسمع منه.

ومن أشهر شعراء هذا الفن عروة بن حزام وجميل بثينة وكُثَيِّر عزة وقيس (مجنون ليلى) وقيس بن ذريح. انظر: عروة بن حزام؛ جميل بثينة؛ كثير عزة.

وقد منح الغزل العذري القصيدة الأُموية ذاتية متميزة؛ حين جعل الغرض الشعري غرضًا مفردًا لا تتجاوزه القصيدة إلى سواه، فهي قصيدة غزلية من مفتتحها إلى نهايتها، على حين كان الغزل من قبل يأتي في مقدمات القصائد، ولا يستقل غرضًا قائمًا بذاته.
الغزل الحسي هو الغزل المادي الذي يصف الملامح الجسدية للمرأة. وأساسه حب ممتزج بميول شهوانية وعواطف خالية من التحرُّج، وأوصاف مكشوفة، يدفع إليها الشوق إلى الاستمتاع بالمرأة. وهو تصوير لحب عابث، طبيعته الإعجاب المؤقت بالجمال حتى يقضي الشاعر منه وطرًا، فينقلب إلى البحث عن حب جديد. وقد اكتسب المصطلح اسمه وصار غرضًا شعريًا قائمًا بذاته في العصر الأموي لأسباب سياسية واجتماعية وفكرية وحضارية واقتصادية خاصة بذلك العصر.

وأصحاب المذهب الحسي في الغزل لاطاقة لهم بالصبر على محبوبة واحدة؛ لأنهم يرون أن الحب المفرد قَيْدٌ يحدُّ من انطلاقهم وحريتهم. وهم يلتمسون الحب المتعدِّد تخففًا من قيود الحب الواحد وما يُلقي عليهم من تبعة لا تقبلها طبيعتهم ولا يرضاها سلوكهم. فحبهم قائم على الاستطراد المؤقت، وأنفسهم قادرة على تغيير الحال والانتقال بعواطفهم إلى حيث شاءوا من مواقع الجمال فيتحول الحب عندهم إلى ضرب من المغامرة.

ولا يتحرج الشاعر الحسي من إعلان اللذة وطلب المتعة المتجددة والاستمتاع بالمرأة، وقد يجاهر بشيء من الفحش. كما يجنح إلى لون من الحوار القصصي يُكْسِب شعره طرافة وجمالاً، ويخلق جوًا من المرح. ولا يحفل هذا الفن بالجاذبية الروحية التي يجدها العاشق في المرأة، بقدر احتفاله بأوصافها الجسدية وأنها مخلوقة للاستمتاع. وقد برع الغزل الحسي في الوصف براعة جعلته يتناول كل عضو من جسد المرأة ويصور مكامن الجمال فيه ولذة النظر إليه.

وقد يجعل الشاعر الحسي في صحبة من يتغزل بها نسوة يشهدن اللقاء، ويُعجبن به، كما يرسل الوسطاء، ويتفنن في ضروب الحيل ليحقق في نهاية المطاف صلته بمن يُحب. والشاعر هنا لا يُجهد نفسه بوصف تباريح الحب، ولكنه يهتم بوصف نجاح مغامراته ولياليه الواصلة وتحقيق مطالب جسده وإشباع غريزته.

والقصيدة عند الغزليين الحسِّيين ذات موضوع واحد، فلا ينتقل الشاعر من غرض إلى آخر، كما كان منهج الشاعر في القصيدة العربية من قبل. وقد تطور الأمر في العصر الأموي إلى شيء من الاختصاص الدقيق، وأصبح لدى بعض الشعراء موقف فني يتمثل في قصر الشِّعر على وصف المرأة والحديث عنها وعدم تجاوز موضوع المرأة إلى سواه من موضوعات القصيد وفنون القول. وقد حقق عمر ابن أبي ربيعة هذا القول عندما قال لسليمان بن عبد الملك إنه لا يمدح الرجال ولكنه يمدح النساء.

ولم تكن المرأة متمنعة لدى هؤلاء الشعراء الحسيين، لكنها سهلة موافقة تبادل الرجل الحب وتظهر ضروبًا من الدلال وتكشف عن رغبة في اللقاء والتطلع إليه.

وتكمن فلسفة شعراء الغزل الحسي في أن الحياة غرام وعشق، ومن لا يحاول ذلك فهو حجر جامد وميت لا حياة فيه.
إذا أنْت لَمَ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدْرِ مَا الهَوى فَكُنْ حَجَرًا من يَابِسِ الأرْضِ جَلْمَدَا



وأهم عناصر هذا اللون من الغزل يمكن إجمالها فيما يلي:

- الآنِيَّة والتجدُّد في العلاقة والانتقال بالعواطف من امرأة إلى أخرى:
فإن تَصِلي أصلْك وإن تعودي لهجرٍ بعد وصْلك لا أُبالي



- العاطفة متقلِّبة متنقِّلة سريعة التغيُّر غير قادرة على الثبات.

- ليس الحب عناءً يذيب النفس، ولكنه متعة للشاعر حيث لا يشكو الحرمان ولا يذوق مرارة الهجر.

- مطلبه المباشر المرأة والحديث المكشوف عنها وعما يصل إليه منها والتصريح بذلك ووصف العلاقة بينهما.

ومن أشهر شعراء هذا الفن في العصر الأموي عمر بن أبي ربيعة والأحوص والعرجي.. وغيرهم. ويجمع بينهم أنهم شعراء مُدن وأنهم من الحجاز انظر: عمر بن أبي ربيعة؛ الأحوص.

الغزل في العصر العباسي وما بعده. كان من الطبيعي أن يظـهر في العصر العباسي تيار غزلي يتجاوز حدود الخلق والقيم الإسلامية بل والعربية، حين ظهر الغزل بالمذكر يتزعمه أبو نواس، وظهر الغزل الماجن بالمرأة لدى أمثال مسلم بن الوليد ومطيع بن إياس.

وفيما بعد العصر العباسي، يظهر تيار غزلي قوي حقًّا جمع بين الرِّقة والظرف في ثوبٍ لغوي سهل ووزن شعري زاخر بالخفّة والتطريب. ورأس شعراء هذا الغزل في مصر: البهاء زهير (ت 656هـ)، ولعله أبرع الغَزلين قاطبة في هذا العصر، ومن الغَزلين بالشام: الشاب الظريف (ت688هـ).

ويقوى تيار الغزل في العصر الحديث منذ البارودي، وشوقي، مرورًا بشعراء الديوان وأبولو والمدرسة الواقعية الحديثة.

وقد تنوعت طرائق الغزل في الشعر الحديث تبعًا لمدارسه، فشوقي يتغزّل على طريقة القدماء، بل إنه ليعارض بعض قصائدهم، ولكن موهبته الخصبة ميّزت غزله بطابع خاص كما أن مسرحه الشعري لم يخلُ من نبض الغزل كما في مجنون ليلى، و مصرع كليوباتر ا. وقد كانت التقاليد المرعية وقيم المجتمع دائمًا تقف بغزليات شوقي، في مسرحه خاصة، عند حدود ثابتة.

أما المدرسة الرومانسية فقد مضت بالغزل أشواطًا بعيدة، وكذلك فعل شعراء المهجر الشمالي؛ إذ مزج كل أولئك غزلهم بالطبيعة، كما امتزج غزلهم بفلسفاتهم وأحزانهم ومشاعرهم وخيالهم المجنّح.







توقيع الطائر المهاجر
 
  رد مع اقتباس