الموضوع: بني خالد
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2008, 06:28 AM   رقم المشاركة : 28
ماجد الزيد
شاعر VIP عضو شرف
 الصورة الرمزية ماجد الزيد






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  الحالة :ماجد الزيد غير متواجد حالياً

 

افتراضي دور بني خالد في تأسيس الشعر النبطي


كتاب الدكتور سعد الصويان
(الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص)
كتاب نفيس وموثق للشعر النبطي وبدايته واللتي تقترن ببني خالد
أحببت أن أطرح مقتطفات منه للفائدة العامة

--------------------------------------------------------------------------------------

واستنادا إلى مراحل التاريخ السياسي لجزيرة العرب يمكننا أن نقسم تاريخ الشعر النبطي إلى حقب تتوافق مع تاريخ المنطقة السياسي، وإن لم يكن التوافق تاما ودقيقا. حينما نبدأ تطبيق هذه المنهجية عمليا سوف نجد بعض الصعوبات الناجمة عن الفجوات التي تأتي أحيانا نتيجة فراغ بين حقبة سياسية وأخرى أو نتيجة التداخل بين نهاية حقبة سياسية سابقة وبداية حقبة سياسية لاحقة. ومع الأسف أن مؤرخينا لم يستحدثوا طريقة لتحقيب تاريخنا في الجزيرة العربية. ولا بد لعملية التحقيب من ضوابط أهمها أن تستمد الحقبة اسمها من سلالة أو قوة سياسية حاكمة يمتد حكمها على فترة زمنية طويلة، مثل الدولة الجبرية. ولكن فيما لو وجدت في نفس العصر أكثر من قوة سياسية حاكمة في أكثر من مكان فإننا نختار المكان والقوة اللتين تشكلان الحضور الأقوى في مضامين الشعر النبطي واللتين يشكل فيهما الشعر النبطي رافدا مهما من روافد التعبير الثقافي والسياسي. والأهم من ذلك أن نختار القوة والمكان من حيث يأتينا الحجم الأكبر والحصيلة الأوفر من المادة الشعرية. وعلى هذا الأساس نسبنا الحقبة الأولى من حقب الشعر النبطي إلى الجبريين ولم ننسبها إلى معاصريهم من الأشراف في الحجاز أو المشعشعين في الحويزة وعربستان. ورغم أن الحقبة الغريرية تكاد تتزامن مع حقبة آل معمر في العيينة إلا أننا اخترنا أن ننسب الحقبة إلى آل غرير لأنهم الأقوى والأعظم تأثيرا. وربما تطورت الدراسات الشعبية عندنا مستقبلا وتعمق فهمنا للشعر النبطي شكلا ومضمونا لدرجة تسمح باكتشاف حقب تاريخية نابعة من الشعر نفسه وأكثر دقة في التعبير عن مراحله التاريخية. ومع قصور المنهج الذي أقترحه في تحقيب الشعر النبطي إلا أنني لا أرى بأسا في سلوك هذا الطريق حتى تتبين طرق أخرى أدق وأجدى، على أن يؤخذ في الاعتبار أن ما سأقترحه ليس إلا محاولة أولية. وعليه يمكننا أن نقسم تاريخ الشعر النبطي الى الحقب التالية:

1/ ما قبل الحقبة الجبرية. هذه حقبة مجهولة لا نعرف عنها الكثير ولا نستطيع تحديد بدايتها ولا الفترة التي يمكن أن تشملها، لأننا لا نستطيع تحديد النقطة التاريخية التي يمكن القول بأنها تمثل البداية الحقيقية للشعر النبطي. ويدخل ضمن هذه الحقبة تلك الأشعار التي سبقت قيام الدولة الجبرية مثل القصيدة التي أوردها ابن خلدون منسوبة لامرأة من عرب نمر في حوران وقصائد أبي حمزة العامري.

2/ الحقبة الجبرية. تمتد هذه الحقبة من قيام الدولة الجبرية حتى اضمحلالها بعد دخول البرتغاليين إلى منطقة الخليج. وحينما نتحدث عن هذه الحقبة فيما بعد سوف نتطرق إلى خلافات المؤرخين حول بداية الدولة الجبرية ونهايتها. وسوف نشمل في الحقبة الجبرية جميع الأشعار التي وصلتنا من فترة وجودهم. كما سنضمن في هذه الفترة بعض الأشعار التي قيلت بعد زوال الجبريين في فترة الفراغ السياسي التي سبقت قيام دولة آل غرير (آل حميد). ولذلك فإننا سنلحق شعر بركات الشريف والشعيبي بالحقبة الجبرية لقربها منها في اللغة والأسلوب. ومن شعراء الجبريين الذين نشرت لهم بعض القصائد جعيثن اليزيدي وعامر السمين والكليف. وهناك غيرهم من الشعراء الذين لم تذكرهم المصادر مثل ابن زيد وابن حماد، وسوف نتحدث عنهم لاحقا بشيء من التفصيل. ومن الشعراء الذين جاءوا بين هذه الحقبة والتي تليها رميزان بن غشام وأخيه رشيدان وخاله جبر بن سيار.

3/ الحقبة الغريرية. تبدأ الحقبة الغريرية مع استيلاء براك بن غرير على السلطة في الأحساء عام 1080هـ. وتتداخل نهايات هذه الحقبة مع ظهور الدرعية كقوة منافسة لدولة آل غرير وتأسيس الدولة السعودية الأولى التي تنتهي باجتياح جيوش محمد علي جزيرة العرب وتدمير الدرعية. ويمكننا أن نحدد نهاية الحقبة الغريرية مع إطلالة القرن الثالث عشر الهجري حينما التجأ سعدون بن عريعر إلى الدرعية ومات فيها عام 1200هـ. وتمثل نهاية هذه الحقبة مرحلة تحول حقيقية في الشعر النبطي، فهذا عصر عبدالمحسن الهزاني الذي على يده (أو على لسانه) تم إدخال الكثير من التجديدات الشكلية والفنية على القصيدة. وممن تشملهم هذه الفترة، إضافة إلى الهزاني وأمراء آل غرير الذين يجيدون قول الشعر، ابن بسام راعي سدير وحميدان الشويعر وآخرون سنأتي على ذكرهم.

تعود الحقبة الغريرية والحقبة الجبرية وما قبلها إلى ما يمكن أن نسميه تجاوزا العصر الأسطوري الذي سبق عصر التدوين التاريخي لوسط الجزيرة العربية الذي يبدأ مع ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وانتشار التعليم ونشاط حركة التأليف في المنطقة. ومع بداية انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وامتداد نفوذ الدولة السعودية نشطت حركة التعليم وظهر مؤرخون اعتنوا بتسجيل الأحداث التاريخية مثل ابن غنام وغيره وبذلك انتقلت نجد من العصور الشفهية والأسطورية لتدخل عصر التاريخ والتدوين والوثائق المكتوبة مما يسهل مهمة المؤرخ. ويمكننا دمج الحقبتين الجبرية والغريرية في حقبة واحدة نطلق عليها اسم الحقبة الكلاسيكية؛ وإن كنت أفضل مسمى قد يكون أقرب إلى واقعنا الثقافي والتاريخي هو مسمى الحقبة الهلالية، بحكم أن هذه الأشعار تشترك مع الأشعار الهلالية المتداولة في وسط الجزيرة من حيث الوزن الشعري والقافية ومن حيث غلبة الطابع الأسطوري على ما يدور حولها من حكايات وتفسيرات؛ مع الأخذ بعين الاعتبار ما بين قصائد السيرة الهلالية والقصائد التي نعنى بها هنا من اختلاف يتمثل في أن الأولى لا يعرف لها قائل والأخرى نعرف قائليها وهم أشخاص لا نشك في وجودهم التاريخي.

ومعظم القصائد التي وصلتنا من الحقبة الجبرية والحقبة الغريرية قيلت في مدح حكام تلك الدول وربما كتب البقاء لهذه القصائد لأنها حظيت بالحفظ وسجلها الكتبة في دواوين أولئك الحكام، وربما يكون أولئك الكتبة أول من حاول القيام بجهد منظم في تدوين هذا الشعر وضمه في أضابير وكراسات مخطوطة، وربما كانوا هم الذين روجوا مسمى "الشعر النبطي" للدلالة على هذا الشعر. ولا يخفى على فطنة القارئ أنه قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقيام الدولة السعودية الأولى سنة 1158هـ كانت نجد يلفها سديم الأمية بينما كانت الأحساء في ظل مشائخها من العيونيين والجبريين وآل حميد ومنذ أيام القرامطة مركزا يرتاده من له حظ آنذاك من علم أو أدب وكان نفوذ هؤلاء الحكام يمتد إلى مناطق العارض والقصيم والأفلاج وغيرها من مناطق وسط الجزيرة وشمالها والتي قصد شعراؤها حكام الأحساء ومدحوهم أملا في أن يجزلوا لهم العطاء.

ومن غير المستغرب اهتمام حكام الجبريين وآل حميد بالشعر النبطي لأن دولهم أشبه ما تكون بالمشائخ البدوية. وكانت الأسس التي قامت عليها هذه الإمارات في البداية أسسا قبلية بدوية لكنها مع توسع سلطانها وزيادة مواردها وصلت إلى درجة من التطور تتطلب منها الاستقرار في حواضر تقيمها على الموانئ البحرية أو مفترقات الطرق التجارية أو بطون الأودية حيث تتوفر الموارد المائية والزراعية. وقد تصل بعض هذه المشائخ في فترة ازدهارها السياسي إلى درجة من الرخاء الاقتصادي والتطور العمراني تسمحان بقيام مؤسسات تعليمية ولو بشكل بدائي مثل الكتاتيب واستقطاب من يمكن استقطابه من رجال العلم وأرباب القلم من الأدباء والشعراء الفصحاء. ولذا نجد أحيانا بعض النماذج من الشعر العربي الفصيح، لكن الشعر العامي يبقى هو الأغزر مادة والأقوى تأثيرا. هذا على خلاف ما كان عليه الحال بالنسبة للدولة السعودية التي أرست دعائمها على أسس دينية ومدنية ليست على وفاق تام مع هذا الشعر بلغته العامية ورؤيته البدوية وقيمه القبلية. فلا نجد مثلا أي ذكر للشعر النبطي في كتابات الشيخ حسين ابن غنام مؤرخ الدعوة الوهابية. أما الشيخ عثمان بن بشر الذي جاء ليكمل جهد ابن غنام فإنه يتورع عن إيراد شواهد من الشعر النبطي على الرغم من إحساسه بقيمتها التاريخية لأنها كما يقول في تاريخه "ليست على اللفظ العربي فلا تليق بهذا الكتاب". ولذلك فإنه على الرغم من الأهمية القصوى لحقبة الدرعية على مستوى التاريخ المحلي فإنها لا تشكل محطة مهمة في مسيرة الشعر النبطي حيث أن ما وصلنا من شعر نبطي يخص أحداث الدرعية لا يقارن من الناحية الكمية بما وصلنا من الأحساء ودولة آل غرير.

4/ حقبة الرياض. تبدأ هذه الحقبة من ظهور الإمام تركي بن عبدالله وتأسيسه الدولة السعودية الثانية ونقله عاصمتها من الدرعية إلى الرياض وتنتهي بوفاة الإمام فيصل بن تركي. ومستهل هذه الحقبة هي القصيدة التي قالها الإمام تركي وبعث بها إلى ابن عمه مشاري في مصر يحثه فيها على القدوم إلى الرياض. ويتسم التعامل مع هذه الفترة بالصعوبة لما تتميز به من تشابك في الأحداث واضطرابات سياسية جاءت نتيجة القلاقل الداخلية والتدخلات الخارجية، ناهيك عن غزارة المادة التاريخية والشعرية التي على الباحث أن ينظر فيها ويتفحصها. ويمكن اعتبار حقبة الرياض امتدادا لما قبلها لأن معظم شعرائها من المخضرمين الذين عاصروا هذه الحقبة والتي قبلها مثل محمد بن عشبان وعبدالله بن ربيعة ومحمد العلي العرفج ومشعان بن هذال وأحمد بن محمد السديري ومحمد العبدالله القاضي. وقد وصلتنا دواوين معظم هؤلاء الشعراء كاملة، بعضها ربما نسخها الشعراء أنفسهم. كما أن هذه الحقبة تمهد للحقبة القادمة التي ولد الكثير من شعرائها وترعرعوا فيها. وقد شهدت حقبة الرياض الكثير من الحروب التي خلدتها الأشعار مثل بقعا وحروب الجوف وحروب القصيم مع حائل ومع الرياض. وتشهد هذه الحقبة بدايات تدوين الشعر النبطي وما لم يصلنا منه مدونا، خصوصا أشعار البادية، وصلنا عن طريق الرواية الشفهية لقرب عهد هذه الحقبة من زماننا هذا. ومن قبل هذه الحقبة لم تحفظ لنا المخطوطات ولا الذاكرة الشعبية عينات تذكر من الشعر البدوي الصرف ولا من أشعار النساء. والمطلع على كتاب أبطال من الصحراء للمرحوم محمد الأحمد السديري والدواوين التي طبعها الشيخ منديل الفهيد وعبدالله بن رداس يدرك مدى قوة التعبير وحيويته في الشعر البدوي، وكذلك النسائي الذي جاء من هذه الحقبة وما بعدها.

5/ حقبة حائل. تأتي هذه الحقبة كحقبة معترضة تتداخل بدايتها مع نهاية حقبة الرياض ونهايتها مع بداية حقبة التوحيد. وعلى الرغم من قصر هذه الحقبة فإنها تبقى حقبة مهمة لغزارة الانتاج الشعري الذي وصلنا منها وأهميته السياسية وقيمته التاريخية. ولا ندري بماذا نفسر هذه الغزارة! هل مرد ذلك إلى كون هذه الحقبة تمثل ذروة ازدهار الشعر النبطي أم لأن التدوين حفظ لنا الكثير من أشعار هذه الحقبة بينما ضاعت أشعار الحقب السابقة بسبب ندرة التدوين. أضف إلى ذلك أن هذه الحقبة قريبة نسبيا وحينما تفشى التعليم عندنا وانتشرت الكتابة وازدهر التدوين كانت الذاكرة الشعبية لا تزال تختزن الكثير من القصائد التي قيلت آنذاك. ولا تزال الروايات الشفهية لهذه القصائد والأحداث التي تتضمنها محتفظة بقيمتها التاريخية حيث لم تتحلل بعد بفعل التقادم وتتلاشى في عالم الأسطورة. ولقد شهدت هذه الحقبة الكثير من الفتن والحروب الإقليمية والمناخات القبلية التي خلدتها القصائد النبطية. ومعظم هذه القصائد جادت بها قرائح الفرسان والمشائخ والأمراء مما يعزز من قيمتها التاريخية. هذه حقبة عبدالله وعبيد وحمود آل الرشيد وزامل السليم وراكان بن حثلين وتركي بن حميد ومحمد بن هادي وشليويح العطاوي وبديوي الوقداني ومخلد القثامي وعدد يصعب حصره من شعراء القبائل وفرسانها. كم من القصائد قيلت في حرب المليدا أو كون طلال أو الحروب بين شمر وعنزة وبين عتيبة وقحطان؟ كم من القصائد قيلت في مدح محمد بن رشيد وخليفته عبدالعزيز بن متعب؟ ومن شعراء البادية المرموقين في هذه الحقبة خلف ابو زويد وعدوان الهربيد وحنيف بن سعيدان وفجحان الفراوي وساكر الخمشي وفهد بن صليبيخ؛ وهذه مجرد أسماء قليلة من قائمة طويلة يصعب حصرها من الشعراء والأمراء والفرسان من البادية والحاضرة.

6/ حقبة التوحيد. نعني بذلك توحيد المملكة على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز. ويمكننا اعتبار قصيدة الخلوج للعوني هي فاتحة أشعار هذه الحقبة. ويستحيل الإحاطة بالانتاج الشعري لهذه الحقبة والذي يدور جزء كبير منه حول فتوحات الملك عبدالعزيز وجهوده في توحيد المملكة العربية السعودية. وأهم شعراء الحماسة جاءوا من بدايات هذه الحقبة مثل العوني وابن صغير وابن دحيم وشعراء العرضة الآخرين. وأمير شعراء النبط الشاعر العاطفي عبدالله بن سبيل جاء من هذه الحقبة وأرسى قواعد ما يمكن أن نسميه المدرسة الوجدانية في الشعر النبطي. كما جاء منها عبدالله بن دويرج وسليمان بن شريم وعبدالله اللويحان، وثلاثتهم لهم إسهامات واضحة في تجديد أوزان الشعر النبطي وعروضه.

في هذه الحقبة يفقد الشعر النبطي فاعليته كأداة سياسية لكنه يتحول إلى أداة إعلامية ناجحة. ففي ظل الوضع السياسي المستقر الذي نعمت به هذه الحقبة وفي غياب أي وسيلة للترفيه وشغل الفراغ الذي عادة ما يوفره الاستقرار السياسي والتعايش السلمي بين مختلف القبائل والمناطق برز الشعر، قولا ورواية، وسيلة جاهزة لتزجية الوقت. وازدهرت أجناس الشعر التي تعتمد على الأداء وتؤدى في مناسبات جماهيرية احتفالية مثل العرضة والسامري وشعر الرد. كما برز الشعر كأداة إعلامية ناجحة لغرس بذور القيم الاجتماعية والوطنية اللازمة لتعزيز وحدة المجتمع وتقوية كيان الدولة وكذلك كأداة للتوعية يبث من خلالها رسائل ومضامين لقطاعات من الشعب تكاد تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة للوصول إليهم لتثقيفهم وإدماجهم في برامج الدولة وخططها وتوعيتهم بمفهوم الدولة والوطن والمواطن التي حلت محل القبيلة والديرة. ومثلما لعب الشعر النبطي دورا هاما في عمليات الترويض فإنه في الوقت نفسه كان متنفسا للعداوات والحزازات العالقة في النفوس بين القبائل والمناطق التي وحدها الملك عبدالعزيز ليفرض عليها السلم ويخضعها لحكم الشرع. تحولت المشاحنات الدامية والحروب الحقيقية التي كانت سمة من سمات الجزيرة العربية قبل توحيدها إلى حروب كلامية بين الشعراء، تماما مثل ما فعل جرير والفرزدق وغيرهم ممن عاصروهم من الشعراء بعد استتباب الأمر للدولة الإسلامية والقضاء على الروح القبلية في عهد بني أمية. وإضافة إلى هذه النقائض نشط أيضا شعر القلطة (الرد) كوسيلة للترفيه وكذلك للتنفيس ومحاولة التكيف والاندماج مع الوضع السياسي المستجد.

7/ حقبة التجديد. نستطيع أن نؤرخ لهذه الحقبة مع بداية حكم الملك فيصل لأنه كان رحمه الله أحد الشعراء الذين يشار لهم بالبنان وكان لا يشق له غبار في حلبة الرد ولأن التجديد بدأ فعلا على يدي نجليه الأمير عبدالله والأمير خالد (دايم السيف). تطالعنا أول ما تطالعنا بوادر التحديث في شعرنا العامي في قصائد الشاعر الغنائي الأمير عبدالله الفيصل، حامل لواء الحركة التجديدية. ثم جاء خالد الفيصل من بعده ليحلق بالتجربة ويصل بها إلى ذروتها الفنية. إيقاعية الوزن وموسيقية اللفظ حولت القصيدة على لسان الأمير خالد إلى أغنية. ويأتي بدر بن عبدالمحسن لاحقا وبجرأة أكثر ليعلن القطيعة بينه وبين الشعر النبطي الذي نعنيه عادة عندما نستخدم هذه الصفة.

واستكلمت التجربة الخليجية في الشعر العامي الغنائي نضجها على يد شعراء مبدعين من أمثال مساعد الرشيدي وفهد عافت وسليمان المانع وناصر السبيعي والراسية وغيرهم. هذه التجربة التحديثية في شعرنا العامي الغنائي من الكثافة والتركيب بحيث يصعب الإلمام بجميع توجهاتها وتشعباتها والإحاطة بكل نتاجها وحصر كل شعرائها، لا سيما أن التجربة لا زالت في عنفوانها وما زال المستقبل يخبئ الكثير من المفاجآت. لقد تجردت القصيدة العامية في التجربة الحديثة تمام التجرد ولم تعد بحاجة إلى "سالفه" تحكي لنا دوافع النظم وملابساته. انتشل الشعراء المجددون الشبكة اللغوية التي يرميها الشعراء النبطيون في بحورهم الشعرية وقذفوا بها في التجربة الحداثية ليشكل إنتاجهم ظاهرة من ظواهر عديدة تشير إلى أن أي حواجز نقيمها في أذهاننا، نتيجة التحيز أو الجهل، ضد تجارب الإنسان الإبداعية لا وجود لها في الواقع. ولا أدل على حيوية هذه التجربة من القصائد النثرية التي تطالعنا أحيانا في بعض الصفحات الشعبية. ولكن لو انتشرت التجربة النثرية في الشعر النبطي ورسخت، ترى هل بمقدورنا أن نستمر في إطلاق صفة نبطي على هذا اللون؟

انتقلت القصيدة النبطية في عصرنا هذا نقلة نوعية مذهلة حررتها من نطاق جاذبية التجربة النبطية الكلاسيكية وطبقاتها الجوية لتحلق في أجواء وعوالم إبداعية غير مأهولة، لم يرتدها أحد من قبل. مساحات جديدة من الإبداع فيها جمال الصورة وعذوبة الكلمة وخفة الأوزان والإيقاعات التي تلامس الشعور وتداعب الحواس. لقد قوض المجددون بناء القصيدة النبطية التقليدية ليقيموا على أنقاضها صرحاً إبداعياً يختلف بصورة ملحوظة في شكله ومضمونه، في هندسته وتصميمه، في زخرفته وألوانه. وهذا لا يتأتى فقط بالفطرة والطبع وإنما هو أيضاً نتيجة جهد واع وإدراك عميق لرسالة الفن ودور الفنان.

--------------------------------------------------------------------



يتبع ...

منقول







توقيع ماجد الزيد
 
  رد مع اقتباس