عرض مشاركة واحدة
قديم 22-07-2008, 12:30 AM   رقم المشاركة : 2
محمد الأحمري
همس الخيال /شاعر/%التفاعل-
 الصورة الرمزية محمد الأحمري





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  الحالة :محمد الأحمري غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: قبيلة بللحمر ....


يسرنا في منتديات الفطاحلة نقلاً عن منتديات عسير .. أن ننقل أحداثاً تاريخية وقعت بمنطقة عسير .. أحداثاُ شهيرة حفلت بالعديد من الوقائع الحربية بين قبائل عسير والأمبراطورية العثمانية ..يعلمها الكثير من الناس ولكنهم يجهلون تفاصيلها .. يعلمون فقط أن الترك كانوا لمنطقة عسير محتلين .. ويجهلون الحيثيات التي أدت إلى ذلك.. يجهلون الأسباب التي دعت الأمبراطورية العثمانية إلى توجيه أنظارها إلى عسير .. يجهلون أن الأمبراطورية العثمانية لم تستطع أن تبسط نفوذها التام على عسير إلا بعد عقودٍ طويلة من المعارك الطاحنه التي أظهرت بسالة وصلابة أبناء قبائل عسير .. يجهلون أن من أهم الأسباب التي دعت الأمبراطورية العثمانية لغزو منطقة عسير هو وقوف قبائل عسير برجالها المخلصين لصدها عن الزحف للدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى التي كانت منطقة عسير تابعةً لها .. وعلى الرغم من أن الدرعية لم تكن تمد أبناء عسير برواتب أو أعطيات أو هبات ليقاتلوا عنها .. وأن مادفعهم إلى ذلك ماهو إلا الوفاء بالبيعة التي في أعناقهم لحكامهم .

ننقل لكم هذه الأحداث من كتاب (( تاريخ عسير )) للكاتب علي بن أحمد عيسى الذي يُعد كتابه من أفضل الكتب في الساحة حيث وثق هذه الأحداث في كتابه المشار إليه أعلاه الذي أطلع على عشرات المراجع المتخصصة .. وسافر لأجله كاتبه في رحلات وإبتعاثات دراسية إلى كل من جمهورية تركيا وجمهورية مصر العربية .. لجمع الوثائق والمخطوطات وينقلها كما هي

والشكر الجزيل لأخي الحبيب كاتب من الوادي من منتديات عسير الذي سمح لي بأن أنشر هذه السلسله بالإختصار الوافي الذي قام به كمجهود شخصي دون أن يخل بالوقائع الهامه وما حدث فيها من معارك طاحنه .. وبإذن الله ستكون الصوره واضحه للجميع .




الحلقة الأولى



في عام 1229هـ نزلت قوات محمد علي في ميناء القنفذة وعاثت فيها فساداً تقطع رؤوس أهلها ثم تقطع آذانهم وترسلها إلى مصر دليلاً على انتصارها في عسير ، فتصدى لها طامي بن شعيب ومعه قبائل عسير ، فقام طامي في بداية الأمر بالاستيلاء على آبار الماء ، وعندما حاولت قوات محمد علي الوصول إليها بالقوة ، حدثت معركة فاصلة انتهت بهزيمة قوات محمد علي ولم ينج منهم إلا قليل ، حاول محمد علي تلافي تلك الهزيمة فأرسل لنجدتهم فرقة من الخيالة ولكن تلك الفرقة هزمت كذلك . (1)

وقد أثرت هذه الهزيمة على موقف محمد علي في الحجاز مما جعله بحاجة إلى إعادة حساباته بالنسبة لتصفية السعوديين فقام بطلب الإمدادات من مصر ، كما قام بإجراء مصالحة عامة مع أهالي الحجاز ومحالفات مع قبائلها . (2)

ولم تكن الهزيمة السابقة في القنفذة كافية لإقناع محمد علي بأنه لا جدوى من تلك المحاولات لضرب العسيرين وإبعادهم عن مشاركة أخوانهم وأمرائهم في نجد ، فقامت قوات محمد علي بالاستيلاء على القنفذة عن طريق قوة جاءت محمولة عن طريق البحر ، ولكن طامي بن شعيب كان لها بالمرصاد حيث أشتبك معها وهزمها هزيمة شنيعة ، حيث عادت فلولها إلى جدة بعد أن تمكنت قبائل عسير من استعادة القنفذة . (3)




محمد علي باشا

ونلاحظ هنا توالي الحملات التي قام بها محمد علي للاستيلاء على القنفذة ، ولم تكن محاولات محمد علي هذه بهدف السيطرة الجزئية على المنطقة ، وإنما كان الهدف منها القضاء على إمارة آل المتحمي التابعة لآل سعود ، والتي كان أميرها طامي بن شعيب من أشد أعداء محمد علي في الحجاز ، فلقد تصدى طامي لقوات محمد علي مرات عديدة ، ومما لا شك فيه أن محمد علي قرر التخلص منه لكي يتفرغ لحرب السعوديين في نجد بعد أن يصفي حساباته في مناطق الحجاز وعسير .

وبعد أن تمكنت قوات عسير بقيادة طامي بن شعيب من القضاء على محاولات قوات محمد علي في بسط نفوذها على مناطق الساحل ، توجه طامي بن شعيب على رأس عشرة آلاف جندي من عسير السراة ورجال ألمع إلى بلاد غامد وزهران ، لمواجهة حركة جديدة قام بها محمد علي على طريق الشمال . وفي الطريق التف حوله عدد كبير من القبائل ، حيث جرت معركة كبيرة في بلاد زهران ، أسفرت عن هزيمة قوات محمد علي وانسحابها من الحجاز . (4)

وبعد هذه المعركة اشترك طامي بن شعيب على رأس قبائل عسير في موقعة البسل ، تلك الموقعة التي دارت رحاها بين القوات السعودية بقيادة فيصل بن سعود وبين قوات محمد علي ، وقد اجتمع فيها للقوات السعودية أكثر من ثلاثين ألف رجل ، وكادت تسفر عن نصر مؤزر للسعوديين لولا وصول نجدات جديدة كانت بقيادة محمد علي نفسه ، مما أدى إلى تغير الموقف تجاه قوات محمد علي ، حين تأثرت بعض جبهات الجيش السعودي – يذكر ابن بشر أن سبب الهزيمة تفكك في جهات غامد وزهران – ولم يلبث ذلك الجيش الكبير أن تشتت شمله وهزم ، واتجه كل قوم إلى بلادهم ليظموا الدفاع عنها ضد أي هجوم مرتقب .

وقد دلت الهزيمة القاسية التي تلقاها الجيش السعودي الكبير ، على أن خللاً حدث في صفوف القوات السعودية ، مما أدى إلى عدم خوضها معركة حقيقية بنفس القوة التي كانت تقاتل بها في المعارك . ويعود ذلك إلى عدم التنسيق في الجبهة السعودية ، وبالتالي إلى عدم الانضباط العسكري بين صفوفها ، إضافة إلى ضعف التدريب والتسليح ، ودخولها المعركة بشكل ارتجالي مما أدى إلى وقوع الهزيمة . وعلى كل فقد كانت معركة بسل من أهم المعارك التي خاضتها الدولة السعودية ضد قوات محمد علي ، فبعدها تمكن محمد علي من إحراز انتصارات سهله ومتوالية . لم يحاول محمد علي التوجه صوب الشرق باتجاه الدرعية عاصمة الدولة السعودية ، بل توجه إلى عسير لمتابعة قوات طامي بن شعيب ، ويعود ذلك إلى عدة أسباب من أهما :
1. بعد معركة بسل وصلت إلى محمد علي أوامر من الباب العالي تحثه على قتال القبائل اليمنية الخاضعة لآل سعود ، ليسهل عليه بعد ذلك مهاجمة الدرعية وهو مأمون الظهر . (5)
2. كان محمد علي يدرك قوة طامي بن شعيب وخطورته على مؤخرة جيشه ، بخاصة بعد الهزائم التي ألحقها طامي بجيشه في القنفذة وبلاد زهران ، ومن هنا فأن محمد علي كان يحس بخطورة هذا القائد وقواته ، فتعمد أن يتكبد الصعاب وأن يتوجه إلى عسير لتصفية حسابه مع طامي بن شعيب وقواته .

ولم تكن مهمة محمد علي هذه المرة سهلة في عسير ، فقد واجه عدداً من القوى المعارضة كما أن القبائل التي قاتلته في تربة لن تتهاون عند مواجهته عندما تواجه قواته بلادها ، وقد مر في طريقة إلى عسير بعدد من المدن والقرى مثل : بيشة وتباله ورنية وخميس مشيط ، حيث استسلمت جميعاً . وتوجه بعد ذلك إلى بلاد عسير فلم يسالمه إلا قبيلة ربيعه ورفيدة وهي قبيلة طامي نفسه ، وظل طامي صامداً مع بقية قبائل عسير السراة ورجال ألمع وبالحمر وبالسمر ، وبعد قتال شديد ومعارك ضارية انتصر محمد علي على قوات طامي بعد أن دمر معظم حصونه وانسحب طامي إلى المخلاف السليماني ، فاستدعاه الحسن بن خالد الحازمي بحجة إيوائه فركن إليه وصدًق وعوده ، ولكن الحسن بن خالد كان من أعداء طامي فقام بتسليمه إلى قوات محمد علي حيث قاموا بإرساله إلى مصر . (6)

ويذكر الجبرتي (7) أنه عند وصول طامي بن شعيب إلى مصر تم التشهير به في ميادين القاهرة وأزقتها على مرأى من الناس ، ومما قاله الجبرتي في وصف وصوله إلى القاهرة : " وبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وراكب على هجين ، وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في رقبة الهجين ، وصورته رجل شهم عظيم اللحية ، وهو لا بس عباءة عبدانية ويقرأ وهو راكب " .

وتختلف المصادر التاريخية في المكان الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام بطامي بن شعيب ، فيذكر ابن بشر أنه قد أعدم في القاهرة . بينما يذكر آخرون (8) أنه أعدم في الأستانة . والرأي الثاني أرجح لأن أحكام الإعدام التي نفذت في أقطاب الدولة السعودية تمت كلها في الأستانة عاصمة العثمانيين ، ولم يتم أي منها في مصر ، فلم تكن مصر إلا محطة عبور ، حيث يرسل الأسرى بعد ذلك إلى عاصمة الدولة العثمانية ليتم البت في أمرهم هناك .

ومن خلال المعارك التي خاضها الأمير طامي بن شعيب ومدى ما بذله من جهد عسكري وحنكة قيادية فإنه يعد بحق من أقوى قواد الدولة السعودية الأولى .





==========================

المراجع
1. عبد الرحمن جبرتي ، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ، جـ 3 ص 463
2. د . عبد الرحيم عبد الرحمن ، الدولة السعوية الأولة جـ 1 ص 317
3. عثمان بن بشر ص 179
4. ======== ص 180
5 . د . عبد الرحيم عبد الرحمن ، الدولة السعوية الأولة جـ 1 ص 319
6. عثمان بن بشر ص 183
7. عبد الرحمن الجبرتي ، جـ 3 ص 477
8. هاشم النعمي - أحمد علي






الحلقة الثانية




وعلى الرغم من قضاء محمد علي باشا على إمارة طامي بن شعيب ، إلا أنه لم يتمكن من القضاء على القبائل العسيرية المناوئة لحكمة في المنطقة لأن ثورتهم لم تكن مرتبطة بشخص واحد مهما كانت قوته وشجاعته ، ولكن الأمير نفسه هو الذي يكسب المعارك بفضل هؤلاء الأبطال من أبناء عسير الأوفياء . ولذلك فإنه لم يكد محمد علي يغادر عسير حتى قام العسيريون بثورة جديدة ، حيث قاموا بتولية أمير آخر من آل المتحمي بقي في عسير ، محمد بن احمد المتحمي ، وقد تولى الأمر في عسير وتمكن من إخراج الحامية التي تركها محمد علي في عسير ، وقام بإعادة سيطرته على بعض القبائل التي حاولت الخروج على سلطته .

وقد واجه محمد بن أحمد المتحمي صعوبات جمّة في إعادة سيطرته ، فقد تكالبت عليه القوى الداخلية والخارجية ، ففي أول ولايته اصطدم بحمود أبو مسمار في أبي عريش وقد انهزم في تلك المعركة . ولم يلبث طويلاً أن جمع شتات قواته حتى هزم على يد حمله عثمانية أرسلت لاسترداد عسير ، وقد حاول جاهداً جمع قبائل عسير لإخراج القوات العثمانية مرة أخرى ، ولكنهم تخلوا عنه في أحلك الظروف فهزم من الحامية الموجودة في طبب .

وأمام المصاعب التي واجهها محمد بن أحمد المتحمي اضطر إلى التعاون مع حمود أبو مسمار أمير المخلاف السليماني بهدف إخراج العثمانيين من عسير . وكان يهدف من هذا التعاون مع حمود أبو مسمار إضعاف العثمانيين عن طريق ضرب أحدهما بالآخر ، وقد لبى أبو مسمار طلب محمد بن أحمد المتحمي هذا ، وتوجه على رأس قواته وقوات عسير إلى عسير واستولى عليها ، وقام بطرد الحامية العثمانية منها وقد تصدى لعدة محاولات من قبل محمد علي لاستردادها حتى توفي عام 1233هـ وكانت وفاته في بلاد عسير .

وبعد وفاة أبو مسمار بقيت جيوشه تحت قيادة ابنه أحمد بن حمود والحسن بن خالد الحازمي ، وظل محمد بن أحمد المتحمي متحالفاً مع هذه القوات بهدف الوقوف في وجهة قوات محمد علي ، حتى وجهت إليهم جملة بقيادة ( خليل آغا ) ، وتمكنت هذه الحملة من أسر محمد بن أحمد المتحمي الموجود في أبي عريش وسفرته إلى مصر ، كما أجبرته على أن يكتب إلى عمالة وحامياته في أرجاء البلاد يطلب منهم التسليم وذلك عام 1234هـ وكانت هذه الحملة عن طريق تهامة .

ثم جاءت حملة أخرى عن طريق السراة بقيادة محمد بن عون وتمكنت من هزيمة محمد بن أحمد المتحمي ، الذي كان على رأس قبائل عسير في مواجهتها ، وأخذته هو وأبنه مداوي ، حيث أرسلا إلى القاهرة أسيرين .
( راوية عثمان بشر ) .

بعد استشهاد محمد بن أحمد المتحمي توالت غارات أحمد باشا والي محمد علي على الحجاز بمساعدة شريف مكة محمد بن عون ، واستمرت أحوال عسير في فوضى واضطراب مابين فتن قبلية وحروب متلاحقة من جانب قوات محمد علي في الحجاز ، وكان محمد بن عون يعتبر نفسه أميراً على الحجاز وعسير ، فقام بوضع حامية في طبب ، وعين أميراً من قبله على عسير وهو : الشريف هزاع .

وفي عام 1238هـ / 1823م قرر شريف مكة أن يقوم بغزوة لوادي الدواسر ، وقد جند لهذه الغزوة رجال القبائل ومن جملتهم قبائل عسير ، وكان على رأس قبائل عسير الأمير (سعيد بن مسلط) ، ولكنه تأخر وهو وبعض قبائل عسير السراة ورجال ألمع ، وعندما لحق بشريف مكة الحق به بعض الإهانه فرجع ابن مسلط غاضباً ومعه قبائل عسير ، وهجم على حامية الشريف في طبب فطردهم منها وأحرق المركز الرئيسي في طبب ، وقام بالسيطرة على عسير .

ولم تكن ثورة عسير على قوات محمد علي نزوة غضب أدت إلى الاستقلال بل إن الوثائق تشير إلى أن علي بن مجثل كان يراسل الكثير من الأعيان والأصدقاء في الحجاز والمخلاف السليماني ، شارحاً لهم موقفه من قوات محمد علي ، واستقلاله عنها ، واقتطع هنا نبذه من تلك الوثيقة فنقول : " سلام الله الأتم . . . وبعد وصلت خطوطك وفهمنا مضمون الجميع ، وتعلم أن القومة لله لا لغرض من الأغراض ، ولا يخفاك مع وصول خطك الأول ، أنا قد جوّبنا عليك ، بما في خواطرنا بمحضر كبار عسير وشهران ورفيدة ، وبني الأسمر وبني الأحمر ، وبني شهر وبلقرن وبني عمرو ، ومن حضر من أابر عبيدة ، وسنحان ، ومن حضر من دراعية ، ورجال همدان ، وصدرنا الخط يواجهك في القنفذة ، وأما الباشا فلا نرى الخط عنده وجه , لأنا ما نعلم له عندنا من المطالب شيء ، فأن أراد العافية والسكون ، فيخلينا ويخلي سبيلنا وأن يدور الفتن / ومراده يوازينا عند طوارفنا . فنستعين عليه بقاصم الجبابرة "

وتؤكد لنا الوثيقة السابقة أن الثورة كانت قد تمت عام 1238هـ / 1823م ، وأن قبائل عسير قاطبة التفت حول أمراء عسير بهدف إنهاء إنها وجود قوات محمد علي في عسير ، كما تؤكد الوثيقة أنه لا يوجد أي سبيل للتفاهم مع أحمد باشا ما لم يكف عن محاولاته الرامية إلى التدخل في شؤون عسير الداخلية .

ولم يقف أشراف الحجاز ومن ورائهم محمد علي مكتوفي الأيدي أمام خروج عسير عن تبعيتها للحجاز ، فقد وردت الأوامر إلى ( أحمد باشا يكن ) في الحجاز بضرورة القيام برد مناسب على العسيرين وأوصت الوثيقة بتحري الدقة وضرورة التنسيق مع أشراف الحجاز قبل القيام بهذه العملية .

وقد توجهت حملة إلى عسير عام 1238هـ وقد تمكنت قبائل عسير من هزيمة تلك الحملة بعد معارك عنيفة ، وأسفرت تلك المعارك عن سقوط الشريف راجح قتيلاً في المعركة ، وانسحاب القوات المهاجمة من عسير .

من الملاحظ أن هذه الثورة لم تقتصر على قبائل المحيطة بأبها بل شملت كل قبائل عسير ، حيث ثارت قبائل بيشة وقاموا بمحاصرة الحامية الموجودة فيها ، وتعذر إيصال الذخيرة إلى المحاصرين بسبب ثورة غامد وزهران وشمران وبلقرن ، وكل هذه القبائل تسيطر على الطريق الممتد بين بيشة والحجاز وقد اضطر محمد علي إلى إرسال الأوامر لوالي جدة باتخاذ السبل الكفيلة بإنهاء حالة الحصار على قواته الموجودة في بيشة .

ومما يدل على أن ثورة عسير كانت ثورة شعبية ، هو كون أهالي بيشة بعثوا رسائل إلى القبائل المجاورة لهم يحرضونهم على الثورة مما دفع جميع القبائل من غامد وزهران شمالاً حتى بلقرن ورنية ونواحيها، إلى القيام بتلك الثورة استجابة لنداء إخوانهم في بيشة .

ولم تمض فترة بسيطة حتى قام محمد علي بتجهيز حملة جديدة توجهت إلى عسير بهدف إخضاعها مرة أخرى لنفوذ محمد علي ، ونظراً لضخامة تلك الحملة فقد قرر سعيد بن مسلط اتخاذ حرب عصابات وسيلة لمواجهتها ، وقد تمكنت تلك الحملة من التوغل داخل عسير واستولت على طبب والسقا ، ولكن عسير لم تدخل في الطاعة ، لأن رجال القبائل لم يلقوا السلاح بل ظلوا يواصلون المقاومة لقوات أحمد باشا المهاجمة . وقد أدت حرب العصابات التي اتبعها العسيريون إلى إلحاق أفدح الأضرار بقوات محمد علي ، وتأزم الموقف على قوات محمد علي نتيجة موت الجمال ونفذ الذخيرة ، مع استمرار المقاومة في عسير ضد تلك القوات .

وتفيد الوثائق أن الموقف بين عسير وبين قوات محمد علي ظل موقفاً حربياً متفجراً ، فرغم قوة الحملات التي أرسلها محمد علي إلى عسير إلا أنها اصطدمت برجال القبائل الأشداء الذين مارسوا ضدها حرباً شرسة ، معتمدين على طبيعة المنطقة الجبلية ، وعلى حرية الحركة لكونهم يتبعون أسلوب حرب العصابات ، وذلك الأسلوب الذي أدى إلى إلحاق أفدح الأضرار بقوات محمد علي المهاجمة لعسير .

وبعد أن تمكن أحمد باشا من تحقيق انتصار جزئي في عسير حاول أن يقوم بجمع أسلحة رجال القبائل هناك ، بهدف القضاء على وسيلة المقاومة التي تمكنهم من مهاجمة قواته المهاجمة ، ولكي يفرض سيطرته الكاملة على عسير ، ولكن أهل عسير رفضوا هذا الابتزال ، وأخبروه أن الموت أهون عليهم من تسليم أسلحتهم ثم انفضوا حوله ، ومما ورد في الوثيقة : (( فلا يقتضى بعد الآن أن يوجد بيدكم بنادق ، فلتذهبوا بأدبكم وشرفكم لتسلموها ، وعندما فهم كل منهم هذه الكلمات الشديدة أجابوا جميعهم نرضى بقتلنا ولا نعطي بنادقنا )) .

ولم يكن أهل عسير من السذاجة بدرجة تجعلهم يركنون إلى وعود أحمد باشا ، وإنما كانوا يتحينون الفرص المناسبة للانقضاض على قوات أحمد باشا ، وقد واتتهم الفرصة عندما أنسحب أحمد باشا إلى الحجاز وأبقى محمد بن عون على رأس حامية في عسير ولكن قبائل عسير قامت بحصار محمد بن عون في طبب وأسفر الحصار عن انسحاب محمد بن عون من عسير مع جميع قوات محمد علي هناك ، مقابل توقيعه على اتفاق يتنازل بموجبة عن منطقة عسير ، ويعترف فيها بحدود معلومة لعسير تمتد من بارق شمالاً حتى صبيا والشقيق جنوباً .

ولقد كان العسيريون حريصون على قيام الصلح بينهم وبين أشراف الحجاز ومحمد علي وفي سبيل ذلك الصلح قاموا بإرسال الهدايا إلى أحمد باشا يكن وإلى محمد بن عون ، وكانت تلك الهدايا عبارة عن ثلاث خيول ومعها رسائل ودية تتعلق بالاتفاقية المبرمة بين الجانبين . وذلك دليل على النوايا الحسنة لأهل عسير ، ولكن ومع وجود هذه النوايا الحسنة ، فلقد كانوا متيقظين لأية محاولة للإخلال بتلك الإتفاقية ، وما ورد في الوثيقة : (( فإن كان الصلح استتم على مضمون ما راح عليه الربع فعرفونا وإن كنتم خالفتم عنه فعرفونا والنقا بقا )) .

ويظهر أن القيادة في عسير كانت خلال هذه الفترة شبة قيادة جماعية ، بدليل أن تلك الرسالة المرسلة إلى محمد بن عون موقعه من سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل ، ولا شك أن أهل عسير كانوا عبارة عن ثوار على الدولة العثمانية ، ولذلك فإنه لم يكن مهما لديهم من سيكون الأمير إنما كان الأهم هو أن تنجح الثورة أولاً .

ولم يلبث الموقف أن أنفجر بين عسير وقوات محمد علي في الحجاز ويعود ذلك إلى الأسباب الآتية :
1.عدم موافقة سعيد بن مسلط على إحضار مشائخ عسير إلى مكة لمقابلة أحمد باشا ، وكان أحمد باشا يهدف إلى استدراج أولئك المشائخ إلى جانبه ، في حين كان كلن سعيد بن مسلط يخشى غدر أحمد باشا بأولئك المشائخ .
2. وصلت الأخبار إلى أحمد باشا بأن أهل عسير يقومون بإجراء تحصينات واستعدادات حربية تحسباً لأي هجوم تشنه قوات محمد علي في الحجاز إضافة إلى قيام سعيد بن مسلط بإرسال كتاب إلى تركي بن عبد الله آل سعود ، فرد عليه تركي بأن أرسل شيخاً من كبار مشائخ آل سعود إلى عسير ، مما أثار أحمد باشا حيث قال : " وأنه بعث خفيه خطاباً لتركي بن عبد الله من جماعة آل سعود فأرسل هو إليه شيخاً من المشائخ النبهاء المرعى الخواطر في أيام السعود ، وأنه إن كان يتظاهر بمظهر الطاعة لكن مراده التمكن من تقوية نفسه ... فحرر ورقة إلى الدويش فتلطف فيها معه ليغزو جماعة تركي بن عبد الله

وهكذا أتخذ أحمد باشا اتصال أهالي عسير بأمرائهم السابقين ، وقيامهم بتحصين بلادهم ذريعة لطلب الإمدادات من محمد علي حتى يقوم بهجوم جديد على عسير ، ناكثا بذلك العهود والمواثيق التي وقعها مع العسيرين قبل ذلك .







الحلقة الثالثة

وفي سبيل تنفيذ مخطط أحمد باشا شن على عسير هجوماً من اتجاهين : فالهجوم الأول عن طريق القنفذة والهجوم الثاني عن طريق الحجاز وذلك بهدف تشتيت قوات عسير .
وأمام إصرار أحمد باشا على مهاجمة عسير مرة أخرى أنقسم أهالي عسير إلى فريقين .
فريق أنه يرى أنه لا مناص من الصمود والوقوف في وجهة القوات المهاجمة بكل شجاعة وثبات ، وفريق آخر يرى أن إعلان الخضوع والموافقة على السلام مع أحمد باشا يجنب البلاد ويلات الحروب وأضرارها.

ولكن في النهاية تغلب الجانب المتشدد وقرر أهل عسير مواصلة التصدي لقوات محمد علي ، وتوجهت حملة كبيرة إلى عسير ، وتمكنت من التوغل داخل عسير حتى وصلت إلى مناظر ، وقام كثير من قبائل عسير بطلب الأمان من أحمد باشا ، أما ابن مجثل و سعيد بن مسلط فقد طلبا الأمان على أساس الاستقلال رجال ألمع تحت حكمهم فقط ، ولكن أحمد باشا رفض هذا العرض ظنا منه أنه سيتمكن من تحطيم ذلك المعقل الأخير .

نلاحظ من خلال دراسة الوثائق السابقة أن أحمد باشا يحاول التقليل من قوة العسيرين. فقد رفض أحمد باشا الموافقة على التنازلات التي قدمها ابن مجثل ، ظنا منه أن سيتمكن من القضاء عليه بسهولة ، وكان هدف أحمد باشا الغدر بأمير عسير وإلقاء القبض عليه ، حيث تقول الوثيقة : ( ولما كانت مطالبهم هذه غير لائقة فقد أجبتهم وأفهمتهم أنه لا يعطى من قبلنا أماناً مثل هذا ، فإذا رغب الشقي المذكور أعطى الأمان لنفسه ، وقد أعيدوا بهذا الجواب وإلى الآن لم يعد الرجال المذكورين إلى طرف عبدكم . وأن مراد عبدكم أنه إذا قبل بمثل هذا الأمان أعطى إليه على أمل القبض عليه بعد ذلك ) .

وكان من نتيجة تعنت أحمد باشا واستهتاره بقوة العسيرين أن وقع في مأزق حقيقي ، حيث وصل إلى أبها بقواته ، ثم انقطعت الاتصالات بينه وبين السواحل . بسبب سيطرة ثوار عسير على المناطق الواقعة بين أبها وبين المواني الرئيسة لعسير مثل القنفذة وعتود . وقد بلغ من تأزم الموقف أن رسولاً بُعث إلى أحمد باشا عجز عن الوصول إليه في أبها ، على الرغم من محاولته التنكر بزي أعرابي إلا أنه أخبر في الطريق أنه سيقع في يد العسيرين إن آجلاً أو عاجلاً لذا فقد قرر العودة إلى جدة مرة أخرى دون أن يتمكن من مقابلة أحمد باشا المحاصر في أبها .

ومما ورد في تلك الوثيقة : ( فذهبت من جدة إلى القنفذة ومنها إلى مرفأ عتود الذي هو تحت مأمورية الشريف علي بن حيدر فطلبت من الشريف المذكور استحصال وسيلة للمسير بهجان في ريق مسلوك يوصل إلى طرف ولدكم المحافظ المشار إليه ومعسكر جيشه ، ولكن لم نتمكن من استحصال طريق للمسير حيث أجابني الشريف قائلاً : إن أشقياء عسير الذين لم يدخلوا في الطاعة يتجولون في الطريق من مرفأ عتود إلى عقبة مناظر )) .

وأزداد الأمر سوءاً عندما قام أحمد باشا بمحاولة للهجوم على السقا عاصمة عسير ، ومن ثم النزول إلى رجال ألمع بهدف القضاء على القوة الموجودة لعسير هناك . وعلى الرغم أن أحمد باشا تمكن من استقطاب بعض ضعاف النفوس من قبائل عسير التي استولى عليها وضمهم إلى جيشه ، إلا أن ذلك لم يجد شيئاً ، حيث حاول إنزال هؤلاء العسكر العرب إلى رجال ألمع لمهاجمة قوات عسير المتحصنة هناك ، فلقيت تلك القوات هزيمة شنيعة ووقع قائدها أغا مانع(1) أسيراً في أيدي رجال ألمع .

وقد أدى هذا التغير إلى ارتفاع الروح المعنوية بين رجال عسير ، فتقدموا من رجال ألمع إلى السقا حيث كان تمركز أحمد باشا وقاموا بمهاجمة قواته ، فحاول الانسحاب إلى طبب ولكن العسيرين أخذوا في ملاحقته أثناء ألانسحاب ، مما ألحق أقدح الخسائر بقواته إضافة إلى الاستيلاء على معظم المؤن والعتاد الحربي الذي كان في معسكر أحمد باشا ، وقد اضطرت هذه الهزيمة أحمد باشا إلى توقيع صلح مع عسير ، ويعترف بموجبه باستقلال مناطق عسير الممتدة من بلسمر وبارق شمالاً إلى حدود أبي عريش جنوباً ، وفي نفس الوقت سمح العسيرين لأحمد باشا بالجلاء بقواته نهائياً من عسير حيث أتجه بقواته إلى القنفذة ومنها إلى الحجاز .

ولم يمكث أمير عسير آنذاك طويلا بعد هذا الانتصار الكبير ،حيث وافته المنية في شهر صفر 1241هـ /1826م ، فتولى بعده ابن عمه علي بن مجثل ، وكان بمنزلة أمير عسير أثناء حياته ، وكانت ولايته قد حظيت بموافقة أهل عسير جميعاً .

وقد ظلت عسير صامدة في وجه محاولات محمد علي للاستيلاء عليها طوال فترة حكم علي بن مجثل ، الذي تولى الإمارة من عام 1241هـ إلى 1249هـ ، وكان موقف عسير قد أصبح أكثر قوة في أيامه مما كان عليه الحال أيام سعيد بن مسلط ، لأن عسير خلال حكم سعيد بن مسلط امتصت كل الهجمات والمحاولات التي قام بها محمد علي وأشراف الحجاز لاستعادتها ، بل أخذت تعمل على توسيع حدودها في المناطق المجاورة لها من الحجاز وتهامة مستغلة الظروف الصعبة التي كان يمر بها حكم محمد علي في الحجاز .







توقيع محمد الأحمري
 
  رد مع اقتباس