عرض مشاركة واحدة
قديم 22-07-2008, 12:31 AM   رقم المشاركة : 3
محمد الأحمري
همس الخيال /شاعر/%التفاعل-
 الصورة الرمزية محمد الأحمري





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  الحالة :محمد الأحمري غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: قبيلة بللحمر ....


الحلقة الرابعة


بعد وفاة الأمير علي بن مجثل سنة 1249هـ أوصى لابن عمه عايض بن مرعي في تسلم مقاليد حكم عسير ، ووافق على ذلك أهل الحل والعقد فيها .

وكان عايض بن مرعي من أشجع وأنبل رجال عسير وأشدهم في الحروب ، توسم فيه ابن عمه علي بن مجثل الشجاعة والإقدام ، ورأى أنه أهل لمواجهة الموقف العصيب الذي تمر به عسير ، حيث كانت حدودها الشمالية والجنوبية تتعرض لهجمات قوات محمد علي المرابطة في المنطقة

كان أول عمل خارجي قام به الأمير عائض هو مهاجمة أبي عريش ، ويعود السبب في ذلك إلى أن شريف أبو عريش علي بن حيدر رفض أن يبايع عايض بن مرعي ، مدعياً أن العلاقة بينه وبين عسير انتهت بنهاية حكم علي بن مجثل . فكان رد عايض بن مرعي أن جهز حمله كبيرة تقدم بها نحو أبو عريش ، ولكن الشريف علي بن حيدر تمكن من الصمود ، حيث ساعدته بعض قوات محمد علي التي كانت تتمركز في حصون أبو عريش ، مما أضطر محمد بن عائض إلى فك الحصار عن أبي عريش والعودة إلى عسير ، وذلك في شهر ذي الحجة من عام 1249هـ .

وكان السبب الرئيسي الذي أجبر عايض بن مرعي على فك الحصار عن أبي عريش هو أن الأخبار وصلته بتقدم حملة كبيرة من الحجاز بقيادة شريف مكة محمد بن عون وأحمد باشا يكن محافظ الحجاز ، مما اضطره إلى فك الحجاز إلى فك الحصار عنها والعودة إلى عسير للدفاع عن بلاده والوقوف في وجه تلك الحملة الكبيرة ، وقد نجح نجاحاً كبيراً في قيادة عسير لمواجهة قوات محمد علي ، فعلى الرغم من قوة الحملة وكثرتها واستعدادها ، وعلى الرغم مما حققته من انتصارات أوليه إلا أنها منيت أخيراً بهزيمة شنيعة ، واضطرت إلى الجلاء عن عسير بعد معارك قوية خاضها أهل عسير تحت قيادة أميرهم عايض بن مرعي .

ومن أسباب نجاح عسير في صد هذه الحملة الكبيرة :
1. صعوبة المنطقة ووعورتها أدت إلى نجاح عايض بن مرعي في حربة ضد قوات محمد علي ، فعندما كانت تهاجم قوات محمد علي المراكز الرئيسية للعسيرين كان العسيريون ينسحبون إلى أعالي الجبال فيكونون في منأى عن القوات المهاجمة التي كانت لا تجسر على التقدم إلى الجبال لصعوبة المنطقة .
2.الأسلوب الذي أتبعه عايض بن مرعي ، هو حرب العصابات والذي طبقه قومه بنجاح كبير ، الأمر الذي جعل القضاء عليهم أمر عسيراًُ لعدم وجود قاعدة معينه يمكن مهاجمتها والقضاء عليها .
3.جهل القوات الغازية بالمنطقة ، إذ كانت تنقصها المعلومات التي تعرفها بها إذا لم تكن هناك دراسة جغرافية واجتماعية قد أعدت لخدمة القوات المهاجمة .
4.الضرائب والغرامات الباهظة التي فرضها الجيش الذي قدم من أجل إخضاع عسير ، مما دفع القبائل إلى الإتحاد ضد العدو وقتاله حتى النصر .

وبعد الانتصار الساحق الذي حققه عايض بن مرعي على قوات محمد علي في عسير لم تقم لقوات محمد علي قائمة خلال السنوات الثلاث اللاحقة ، ولذلك فقد أستغل الأمير عايض هذه الفرصة حيث تقدم على رأس قواته إلى بيشة ، وتمكن من إخراج الحامية الموجودة بها التابعة لمحمد علي ، وضم بيشه إلى إمارة عسير وكان ذلك في عام 1252هـ ، ثم واصل عايض بن مرعي تقدمه باتجاه الحجاز ، حيث تمكن من إدخال قبائل غامد وزهران تحت طاعته ، ولم يكتف بذلك بل أخذ يكاتب بقوم وشلاوة من قبائل الحجاز عارضاً عليهم الدخول في طاعته . وكان ذلك بمثابة الاستعراض للقوة ، وتحد كبير لقوات محمد علي الموجودة في الحجاز .

وعلى الرغم أن عايض بن مرعي لم يقم بمهاجمة قوات محمد علي المتمركزة في بسل قرب الطائف ، إلا أنه ضل مسيطراً على بلاد غامد وزهران ، وكان يتردد بقواته على تلك المناطق من حين إلى آخر ليطمأن على بقائها تحت سيطرته . ولم يستمر هذا الوضع طويلاً إذ قام محمد علي بتكليف أحمد باشا باستعادة بلاد غامد وزهران من سيطرة عايض بن مرعي ، وقد أستطاع أحمد باشا استعادة بلاد غامد وزهران في أوآخر عام 1253هـ . عندها تركها أعوان الأمير عايض بن مرعي ، حيث توجه بعضهم إلى شمران بينما توجه البعض الآخر إلى بيشه ، كما أن عايض بن مرعي قد أرسل قائده محمد بن مفرح على رأس فرقه من قوات عسير إلى بلاد بني شهر لاستطلاع أخبار قوات محمد علي في بلاد غامد .

وظل عايض بن مرعي يشعر أنه يجب عليه مقاومة قوات محمد علي مهما كانت النتائج ولذلك فقد جهز جيشاً كبيراً من كل قبائل عسير وتوجه به باتجاه بلاد غامد وزهران لمواجهة قوات محمد علي المتمركزة هناك ، بهدف استعادة بلاد غامد وزهران من يد قوات محمد علي ، وكذلك بهدف انتزاع زمام المبادرة من هذه القوات ، فبعد أن كانوا هم الذين يحددون الزمان والمكان للمعركة ، رأى عايض بن مرعي أن ينهي هذه القاعدة ويقوم بمهاجمتهم في مواقعهم .

ولقد كان هجوم عايض بن مرعي على بلاد غامد وزهران أمنية أحمد باشا ، فطالما ذكر في رسائله أنه بانتظار هجوم عايض بن مرعي على بلاد غامد وزهران ، وأن لديه معلومات وافيه تؤكد التحضير لهذا الهجوم ، وقد أعد بكل دقة الخطة التي سيواجه بها هذا الهجوم .

وتمت المواجهة بين قوات محمد علي وبين أهل عسير في شهر صفر عام 1254هـ ، وحدثت معركة خاطفة اندفع فيها أهل عسير نحو قوات محمد علي المتمركزة في مواقع حصينة ، فأصلتهم القوات المدافعة ناراً حاميه ، وزاد من هول المفاجأة الخطة المحكمة التي وزع بها أحد باشا قواته ، فكلما حاولوا الدخول من جهة وجدوا فيها فرقة متمركزة ، فأدى ذلك إلى وقوع الارتباك في صفوف قوات عسير ، وعندما لم يتم لهم النصر في وقت مبكر لم يعد أمامهم سوى الفرار ، ووقعت أعداد كبيرة منهم في الأسر ، وسقطت أعداد أخرى بين قتيل وجريح .

ويذكر أن من بين الأسباب لهزيمة أهل عسير وهو غدر قبائل غامد وزهران بعسير ، ومهاجمتهم لهم من الخلف عندما ابتدأت الهزيمة تلوح في الأفق ، مما أحدث بلبلة كبيرة في صفوف العسيريين ، وقد قتل أعداد منهم على أيدي غامد وزهران ، كما سلبوا أسلحتهم وأمتعتهم أيضاً . وكان الأجدر بعايض بن مرعي أن يضع هذا العامل في الحسبان ، وأن يحاول نقل المعركة إلى مكان يأمن غدر أهله بدلاُ من أن يضع نفسه بين نارين ، أحمد باشا من الأمام وقبائل غامد وزهران من الخلف .

ولم يقتصر دور قوات محمد علي في الحجاز واليمن على المواجهة العسكرية مع عسير ، بل تعدى ذلك إلى تحريض بعض القبائل على الثورة على أمير عسير عايض بن مرعي عام 1253هـ وتشير الوثائق إلى أن ابن عطيف هذا كان يتعاون مع قوات محمد علي في الحجاز ، حيث عثرت على وثيقة فيها عهدة عسكرية لعدد من زعماء القبائل في الجزيرة العربية من بينهم أحمد عطيف ولم تشر الوثيقة إلى ماهية تلك العهدة وسببها ولكن تدل على أن قادة محمد علي في الحجاز دفعوا له الثمن الذي يمكنه من القيام بالثورة على أمير عسير آنذاك .

ولم يقف عايض بن مرعي موقف المتفرج من تلك الثورات التي قامت أثناء وجود قوات محمد علي في الحجاز واليمن ، بل قضى عليها بكل قوة ، ففي عام 1255هـ قضي أمير عسير على تمرد قبيلة ( الجهرة ) وهي من قبائل شهران ، التي قد أخلت بالأمن وسببت الكثير من المشكلات في المنطقة ، فلم يتساهل عايض بن مرعي مع هذه القبيلة ـ نظراً لظروفه الصعبة ـ وإنما قام بتأديبها وإجبارها على الخلود إلى الهدوء والسكينة .

وعلى العموم فقد استفاد عايض بن مرعي كثيراً من تجربته في بلاد غامد وزهران ، فلم يكرر مهاجمة تلك المناطق ، بل ظل يستفز أحمد باشا ، ويتظاهر باستعداده للهجوم على جيشه بين لحظة وأخرى ، وعندما حان موعد الانسحاب من عسير والحجاز ظل أحمد باشا خائفاً يترقب هجوم عايض بن مرعي . ولم يحرك عايض بن مرعي ساكناً بل ظل ينتظر ما سيسفر عنه ذلك الانسحاب . ولكن مما زاد من خوف أحمد باشا أن كثيراً من القبائل الخاضعة له عندما علمت بالانسحاب أخذوا يتوافدون على عايض بن مرعي بن مرعي ، مقدمين له فروض الطاعة والولاء بعد أن أصبحوا في مأمن من أحمد باشا وقواته . وكان أحمد باشا على علم بكل هذا ، ولكنه لا يستطيع أن يحرك ساكنا لأنه كان مشغولاً في التفكير في كيفية الانسحاب بجيشه من المنطقة بسلام .

ومن خلال إلقاء نظرة عامة على موقف عايض بن مرعي خلال وجود قوات أحمد باشا في الحجاز يتضح لنا مدى صعوبة ذلك الموقف فقد ظلت عسير عموماً في حالة استنفار طوال وجود قوات أحمد باشا في الحجاز ، وكان ذلك الاستعداد نتيجة حتمية لهجمات أحمد باشا المتلاحقة على عسير ، وعلى الرغم من أنها منيت في الغالب بالهزيمة إلا أنها قد أبقت عسير في حالة استنفار وترقب طوال وجود تلك القوات في الحجاز .

ومما لا شك فيه أن عائض بن مرعي قد تنفس الصعداء عندما بلغه خبر إنسحاب قوات محمد علي من الجزيرة ، لأن ذلك الإنسحال قد خفف عن كاهله عبئاً ثقيلاً ظل يحمله طوال وجود تلك القوات في الحجاز واليمن .

وقد أدى انسحاب قوات محمد علي من الحجاز واليمن إلى إزدياد أهمية عائض بن مرعي في عسير ، وذلك لكونه الأمير الوحيد في الحجاز واليمن الذي لم يعترف مطلقاً بسيادة محمد علي على بلاده من جهة ولم يمكن قوات محمد علي من السيطرة على عسير من جهة ثانية . فقد قضى عاماً كاملاً ويحارب هذه القوات حتى تمكن من إخراجها من عسير عام 1251هـ / 1845م .

وعندما علمت قبائل عسير الشمالية بإنسحاب قوات محمد من الجزيرة العربية أخذت ترسل وفودها إلى عايض بن مرعي مقدمة له فروض الطاعة والولاء . وفي الوقت نفسه سارع عايض بن مرعي إلى إعادة السيطرة على القبائل التي كانت خارجة عن طاعته أثناء وجود قوات محمد علي قي الحجاز . ففي عام 1256هـ أرسل عايض بن مرعي حملة لإعادة قبيلة بني عمرو إلى الخضوع لأمير عسير ، وكان على رأس تلك الحمله محمد بن مفرح المغيدي ، وقد عادت قبيلة بن عمرو إلى الطاعة صلحاً بعد مفاوضات بين قائد عايض بن مرعي وبين أعيان هذه القبيلة . وبهذا ابتدأ عائض بن مرعي في توطيد حكمه في عسير .

كما قام عام 1257هـ بتأديب قبيلة ربيعه المقاطره لإخلالها بالأمن والاستقرار ، كما قام بمساعدة أمير أبي عريش في إعادة بعض القبائل المتمردة إلى الطاعة والهدوء ، وفي عام 1258هـ قضى على الثورات التي أخلت بالأمن في (القهر) وبلاد قحطان .

وقد تمكن عايض بن مرعي إلى مد نفوذه وسيطرته حتى حدود الطائف شمالاً ، وأما جنوباً فقد مد حدوده في بلاد قحطان إلى حدود صعده ، كما قام عايض بن مرعي بمد حدوده شرقاً إلى نهاية حدود وادي تثليث حيث توجه على رأس حمله عام 1268هـ إلى بلاد تثليث فضمها إلى أمارته ونشر الأمن في ربوعها ، وقضى على الفوضى وقطع الطرقات فيها وبذلك دخلت تثليث ضمن بلاد عسير .

وقد ظل عايض بن مرعي يحكم عسير ثلاثاُ وعشرين سنه تمكن خلالها من توطيد دعائم الأمن في البلاد ، كما مد حدودها إلى قرب الطائف والليث شمالاً وإلى باقم جنوباً وتثليث شرقاً . وقد توفي رحمه الله سنة 1273هـ .






الحلقة الخامسة



يعد الأمير محمد بن عائض الذي حكم عسير من 1273هـ - 1289هـ أول أمير عسيري تؤول إليه الإمارة بالوراثة من والده . حيث كانت قبل ذلك تؤول إلى الأرشد من القرابة .

ما أن تولى محمد بن عائض زمام الحكم في عسير حتى قرر أن يتوجه إلى أبي عريش لإقرار الأمور بها ، وكان ذلك في عام 1273هـ . وقد تمكن من ذلك بعد أن هدم حصون أبو عريش ، ووزع المسؤوليات على عدد من الأشراف الذين وثق في إخلاصهم . حيث عين الشريف الحسن بن محمد عاملاً له في المخلاف السليماني .

وفي عام 1274هـ توجه محمد بن عائض لتفقد أحوال أمارته في الشمال ، حيث وصل إلى بيشة ومكث بها فترة ثم توجه إلى بلقرن وغامد وزهران وذلك لإصلاح شؤون تلك الجهات وتنظيمها ، حيث عين عبد الله بن علي بن مجثل قائداً لسرية ترابط ببلاد غامد وزهران .

ولم يكد محمد بن عائض يصل السراة مطمئناً إلى استقرار أبو عريش وبلاد غامد وزهران ، حتى وصل إلى نجران الحسن بن الحسين مستنجداً بقبائل يام ضد عامل ابن عائض الشريف الحسن بن محمد . الأمر الذي جعل محمد بن عائض يرسل خطاباً إلى الشريف الحسن بن محمد ينصحه بالمقاومة وعدم الاستسلام والرفع له في حالة نزول يام إلى تهامة ليمده بالقوة والنجدة لتقضي عليهم .

ولكن نصائح محمد بن عائض لم تلقى آذاناً صاغية لدى الشريف الحسن بن محمد . وبلغ به الأمر أن عقد معهم اجتماعاً سرياً وبعدها استسلم الحسن بن محمد ووافق على الدخول في طاعة الحسين بن الحسن ، كما تعهد بإخراج الحامية العسيرية من قلعة ( دار النصر ) ، وقد تم له ذلك بعد مفاوضات طويلة مع سعيد بن مرضي أمير العسيرين المرابطين بدار النصر .

ويظهر أن جلياً أن أشراف المخلاف السليماني لم يكونون يميلون إلى حكم محمد بن عائض ، وأنما كانوا يرون في ذلك حملاً ثقيلاً يعملون على التخلص منه ، بكل الوسائل حتى ولو استعانوا بألد أعدائهم وهم يام . والدليل على ذلك هو أن الحسن بن محمد حاكم أبي عريش من قبل محمد بن عائض وافق على التعاون مع يام والدخول في طاعة الحسن بن الحسين مع تعهده بإخراج الحامية العسيرية من حصون المدينة دون أن يطلب منهم القتال إلى جانبه .

شعر محمد بن عائض أن الموقف قد يخرج من يده تماما ، فقام بحمله جديدة على المخلاف السليماني ، وتمكن من حصار أبي عريش حتى تم الصلح على أن يسلم الحسن بن الحسين مبالغ سنوية لأمير عسير مع الاعتراف بالتبعية الاسمية له ووقع الاتفاق في شهر ذو الحجة من عام 1273هـ .
وفي عام 1275هـ دبر الحسن بن محمد مؤامرة لقتل الحسن بن الحسين وقام بتنفيذ المؤامرة بعض عبيد الحسن بن محمد وبذلك عاد إلى تولي إمارة أبي عريش .
لم يرضى محمد بن عائض بهذا التصرف لأنه لم يكن راضياً عنه لتآمره مع الحسن بن حسين ويام أيام إمارته الأولى .
فجمع الجنود وتوجه إلى تهامة المخلاف السليماني وتمكن الأمير محمد بن عائض من الاستيلاء على أبي عريش بالقوة بعد أن هرب الأمير الحسن بن محمد تحت جنح الظلام إلى نجران واستقر بها حتى عام 1280هـ حيث قتل على يد قبائل يام .

ولم يكتف الأمير محمد بن عائض بالاستيلاء على المخلاف السليماني ، بل أنه تحرش بالعثمانيين في المواني الساحلية فوصل قرب الحديدة ثم عرج إلى جازان فاستولى عليها وجعل عليها عاملاً . ثم رجع إلى أبو عريش وفي هذه المرة لم يعين واحد من الأشراف أميراً على أبو عريش بل عين الشيخ أحمد بن حسن الحازمي عاملاً عليها والذي ظل مخلصاً لأمير عسير فترة من الزمن .
وقد ذكرت بعض المصادر العثمانية عن هذه الواقعة مانصه " وفي بداية 1280هـ قام أمير عسير الأمير محمد بن عائض بالهجوم على تهامة اليمن حباً في توسيع ملكة ، وخلال هجماته على المناطق التابعة لقضاء ( لحية ) استولى على قلعة مرفأ (جازان ) وهدم ثلاثة عشر برجا بالإضافة إلى المنازل والخانات التي كان قد أقامها الشرفاء ذوي الخيرات في الأزمنة القديمة في أبو عريش " .

ومع هذا فإنه لم يهن على العثمانيين استيلاء أمير عسير على ميناء جازان إذ سرعان ما بعثوا قوات عثمانية تمكنت من إخراج الحامية العسيرية من قلعتها وعندما حاول عامل محمد بن عائض على المخلاف السليماني التصدي لهم ، هزم هزيمة منكرة .
ومع أن النجدات وصلت من عسير إلا أن تلك القوات لم تشتبك مع القوات العثمانية ولم تحاول استعادة ميناء جازان بل أكتفت بالمحافظة على بقية المناطق الداخلية في المخلاف السليماني .

وبعد وفاة عامل محمد بن عائض في المخلاف السليماني تولى بعده أخوه محمد حسن الحازمي ، الذي توفي هو الآخر في ظروف غامضة ، وفي نفس الوقت تم الاتفاق بين الدولة العثمانية وبين الأمير محمد بن عائض على أن يتنازل ابن عائض عن المناطق الواقعة إلى الجنوب من ضمد بما فيها أبو عريش ، بينما بقي لمحمد بن عائض صبيا والمخلاف والمناطق الواقعة إلى الشمال منها . ثم في عام 1281هـ أضطر الأمير محمد بن عائض إلى التنازل عن المخلاف السليماني درءاً للصدام مع العثمانيين .
ويعتبر هذا العام نهاية حكم آل عائض للمخلاف السليماني حتى عام 1287هـ بعدها قرر الهجوم على المخلاف السليماني وأخرج الحاميات العثمانية منها وواصل في هجومه إلى السواحل اليمينية وبالتحديد إلى الحديدة ، وحاصر حاميتها العثمانية وعندما أوشك على اقتحام أسوارها والاستيلاء عليها بلغه توجه حملات عثمانية إلى عسير ، مما أجبره على فك الحصار عن الحديدة ليعود مسرعاً إلى عسير تاركاً المخلاف السليماني والسواحل اليمانية ، على أمل أن يتمكن من إعادة الكرة بعد صد الهجوم الكبير على بلادة .

ومهما يكن من شيء فقد أدى الإصرار من الأمير محمد بن عائض على الاستيلاء على جازان والسيطرة على المخلاف السليماني وتهامة اليمن إلى اهتمام الدولة العثمانية بالأمر أشد اهتمام . وعلى الرغم من تودد محمد بن عائض للخديوية في مصر وتبادل الرسائل معها إلا أن ذلك لم يحل دون تعاون الخديوية مع الدولة العثمانية ، فقد اضطر الباب العالي إلى أن يلجأ إلى والي مصر إسماعيل للاستعانة به في إخماد ثورة العسيريين ضد العثمانيين في منطقة عسير وما جاورها ، فما كان من والي مصر إلا تلبية طلب السلطان العثماني .

وبناءً على هذه الأحداث تحرّك من مصر إلى جدة ثلاثة طوابير مشاة ، وعدد كاف من المدافع تحت قيادة الميرالاي إسماعيل بك أحد أمراء مصر ، وكانت القرارات التي اتخذت بشأن مهمة هذه القوات أن ترسل إلى القنفذة وأن يستمر القتال حتى يتم الاستيلاء على ميناء جازان ، وكانت تلك القرارات تحظى بتأييد السلطان العثماني نفسه .
وعلى الرغم من توجه تلك القوات إلى جده إلا أن مسألة مهاجمة العسيريين كانت لا تزال مجال أخذ ورد ، حيث وصل كتاب إلى قائد القوات المصرية يأمره بالإنتظار هذا نصه " قد علمنا مما أوضحتموه في مكاتبتكم المؤرخة في 9 صفر 1282هـ الوارد من عدة أيام أنكم غادرتم مكة إلى جدة بسبب تقرر ارسال قوة عسكرية براً وبحراً على العسيريين فنبلغكم بأن الباب العالي ابلغنا لوجودنا في استانبول أن قراراً جديداً صدر بإرجاء مسألة إرسال قوة عسكرية إلى حدود عسير في الوقت الحاضر ، وعلى ذلك فأننا نأمركم بصرف النظر عن السفر ولإقامة مع العسكر الموجودين معكم في جدة أو في مكة في الجهات التي يجود هواؤها ".
ولم تمكث تلك القوات طويلاً في الحجاز إذ سرعان ما وصلتها الأوامر بالتوجه إلى القنفذة في طريقها لملاقات العسيرين .






الحلقه السادسه



يبدو أن الأمير محمد بن عائض لم ينو القيام بمواجهة مع تلك القوات مما دفع شريف مكة إلى عدم تصديق ما يحدث وظن أن في الأمر خدعة ، فبعث يطلب إمدادات وقوات إضافية .
وعلى الرغم من إرسال الجناب العالي في مصر تلك القوات إلى الحجاز امتثالاُ لأمر الباب العالي ، إلا أن وجودها كان بمثابة الضغط على أمير عسير ليرضخ للأوامر والخضوع للدولة العثمانية .
ولقد تحقق للحكومة المصرية ما كانت ترجوه بعدم الاشتباك مع أمير عسير ، والوصول إلى حل المشكلة عن طريق التفاوض وبذلك تقرر عودة الجنود المصريين إلى بلادهم .
كما بعث خديوي الأقطار المصرية إلى محمد بن عائض رسالة وضح فيها مدى إعزازه وتقديره لمحمد بن عائض وبين فيها أن سبب قرار الدولة العثمانية بمهاجمته هو ما قيل عن ابن عائض ، من عدم طاعته للدولة العثمانية وميله للاستقلال ، كما أنه وعده بمنحه لقب أمير الأمراء إن اثبت الطاعة للدولة العثمانية .
ومن هنا نستنتج حقيقتين هامتين :
الأولى : أن إصرار الدولة العثمانية على القضاء على إمارة آل عائض في عسير إنما كانت بسبب الوشاة والحساد الذين كانوا يضخمون خطر هذه الإمارة الناشئة على الدولة العثمانية .. من أمثال أشراف الحجاز .
الثانية : احتفاظ الخديوية في مصر بعلاقة قوية مع أمير عسير بدليل نجاح سفارتها لدى أمير عسير في اعترافه الأسمى بسلطة الدولة العثمانية ، أضف إلى ذلك إصرار خديوي مصر على إعادة سفيرة مرة ثانية بحجة السلام على ابن عائض ومشافهته بشأن المودة الحقيقية بينه وبين أمير عسير .

ونتيجة لكثرة الاضطرابات والدسائس التي كانت تحاك ضد محمد بن عائض من قبل العثمانيين وأشراف الحجاز والمخلاف السليماني أضطر التنازل عن معظم المخلاف السليماني وساحل اليمن وسلمها إلى الدولة العثمانية وذلك بهدف تجنب نقمتها عليه .

وعلى الرغم من تمسك الأمير الحرفي بالاتفاقات التي كانت بينه وبين الدولة العثمانية ، فأن الشكاوي والوشايات ظلت تصل تباعاً إلى الباب العالي وإلى الخديوي في مصر تتهم محمد بن عائض بتعدي الحدود والخروج على طاعة الدولة العثمانية ، فكتب إليه خديوي مصر رسالة مؤثرة ينصحه فيها بعدم الميل إلى الحرب والبقاء تحت طاعة الدولة العثمانية
وفي آخر الرسالة يشدد الخديوي على محمد بن عائض بأنه يجب الالتزام بالعهود والمواثيق وإلا فأنه لن يحصل له إلا الندم . وفي ذلك تأكيد على غضب الخديوية من محمد بن عائض لأن الرسالة تتضمن عتاباً ، وفي بعض فقراتها تحذير وتهديد ، والجدير بالذكر أن الخديوية هي التي رعت الاتفاقية التي تمت بين أمير عسير محمد بن عائض وبين الدولة العثمانية .

وفي هذه الأثناء أحاط العثمانيون بإمارة عسير من الشمال والجنوب ، وأخذوا يتحينون الفرصة المناسبة لسحق تلك الإمارة العربية ، ومما ساعدهم على ذلك أن الأمير لم يكن في مرونة والده مما جعله يشغل نفسه بمحاربة العثمانيون في تهامة بصورة استفزتهم ودفعتهم إلى القضاء على أمارته .
واستمرت الشكايات تتوالي من أشراف أبو عريش ومن أشراف الحجاز لسبب ولغيره بهدف إثارة الدولة العثمانية على محمد بن عائض .

هجوم الأمير محمد بن عائض على الحديدة
يبدو أن الأمير محمد بن عائض أدرك أنه لن يستقيم له الحال ما بقي العثمانيون ومن يساعدهم في المخلاف السليماني ، لذا فقد قرر إخراجهم من المناطق التي ينزلون بها وجمع جنوداً لذلك من عسير وقحطان وشهران وبنو شهر وغامد وزهران ، وقرر تنفيذ ما عزم عليه وتوجه إلى المخلاف السليماني لإخراج العثمانيون من المنطقة نهائياً .
وفي الواقع أن ما قام به محمد بن عائض يعتبر مغامرة عسكرية خاطئة لأنه كان في موقف صعب من ناحية التسليح . ومهما يكن من شيء فقد كان هجوم محمد بن عائض على الحديدة مفاجأة كبيرة لكثير من المؤرخين ، فلم يكن لها تعليلاً مقنعاً لدى أي مؤرخ . إلا أن ضيق محمد بن عائض بالعثمانيين وتواجدهم في المخلاف السليماني قد يكون هو السبب .

وبعد أن أكمل محمد بن عائض استعداداته العسكرية لتنفيذ ما عزم عليه توجه بقواته إلى المخلاف السليماني فقصد أبو عريش وقام بإخراج الحامية الموجودة في قلعتها واستولى عليها . ثم ضرب الحصار حول قلعة جازان حتى سقطت في يد قواته ، ثم وصل إلى باجل واستمال قبائلها وعلى رأسهم شيخهم ثم قام بحصار الحديدة على الفور وتمكن من إكمال ترتيباته واستعداداته خلال عدة أيام .
وعندما وصل خبر هذا الهجوم إلى الدولة العثمانية ، أولت الأمر أقصى قدر من الاهتمام وتم استدعاء جيش كامل للتنكيل بمحمد بن عائض وتأديبه ، وكان استعداد ذلك الجيش كالآتي :
1. ستة عشر طابورا من المشاة
2. وطابور من كتيبة المدفعية النظامية الاحتياطية
3. خمس آليات
وقد أسند قيادة هذا الجيش إلى رديف باشا ويعاونه اللواء أركان حرب أحمد مختار باشا ويتولى رئاسة أركان هذا الجيش الأمير حسين فوزي بك والقائمقام سليمان بك الذي كان من معلمي المدارس الحربية المقتدرين .
أما الموقف حول مدينة الحديدة فكان الحصار لا يزال مستمراً وقد استطاعت قوات محمد بن عائض في البداية الاستيلاء على جزء كبير من الحصون وسط المدينة ، غير أن القوة التركية التي داخل الحديدة قد أجبرت العسيرين على التقهقر إلى الوراء ولجأ قسم منهم إلى الجانب الشرقي ، ولكي تصل قوة نجدة سريعة إلى قائد الطابورين الموجودين في الحديدة فقد تحرك حسين باشا قائد فرقة الحجاز من جدة بحرا ، وفي معيته طابور مشاة وحوالي 200 فارس ، وكذلك تحرك مختار باشا بحرا وتحت أمرته خمسة طوابير ، وبعد وصول هذه النجدة التركية الضخمة قاموا بشن هجوم على محمد بن عائض ورجاله مما أضطره إلى التراجع والعودة إلى عسير . وقد أرتكب جند عسير بعض القسوة ضد السكان المحليين في تهامة والمخلاف السليماني بسبب محاولتهم سلب أسلحتهم وأموالهم .

وعلى الرغم من وصول تلغراف يخبر بعد استيلاء محمد بن عائض على الحديدة إلا أن ذلك لم يمنع من استكمال الحملة وقيامها ، فقد تحرك رديف باشا في التاسع والعشرين من رمضان 1287هـ إلى جدة ومنها إلى القنفذة التي جعلت مركزا لتحركات قواته الحربية التي تشن على عسير .
وقد أنضم إليه أمير مكة الشريف عبد الله بن محمد عون والي ( جدة ) خورشيد باشا ومعهم مجموعة من الموالين للأتراك .
واجتمع الجميع في القنفذة يخططون للهجوم على عسير ، وفي هذه الأثناء وصل إليهم شيخ ( حلي .. عمر بن عبد الله الكناني ) الذي قد هم المعلومات النادرة اللازمة عن هذه المنطقة وأستعد بتقديم الجمال اللازمة للجيش وقد كان انضمام هذا الشيخ للقوات العثمانية ذا اثر فعال في هزيمة العسيرين لمعرفته بالبلاد معرفة تامة مما مكنه من توجيه الأتراك إلى نقاط الضعف في بلاد عسير ليستغلها رديف باشا ويتوجه عن طريقها .

أما موقف محمد بن عائض فأنه لم يصل عسير بعد رجوعه من الحديدة حتى بدأ يعد العدة لمواجهة الأتراك وجحافلهم الجرارة التي أصبحت على مشارف من أمارته وقرر العسيرين في مجلس الشورى رفض الإنذار الذي وجهة رديف باشا وأعلن أمير عسير النفير العام لمواجهة جيوش الأتراك وقسم جيشه إلى قسمين ، القسم الرئيسي يكون في عقبة شعار والقسم الثاني يكون بمضيق دالج الواقعة شمال رجال المع .

بعد أن اكتملت استعدادات رديف باشا وخاصة بعد عودة معظم القوات الموجودة في الحديدة للإنظمام لقواتهم الموجودة في القنفذة وبعد أن أدرك أن العسيرين رفضوا الإنذار الذي وجهه إليهم ، توجه بقواته إلى ناحية تهامة القريبة منه وهزم قبائلها ، كل قبيلة على حده ولم يواجه أي مقاومه تذكر في الاستيلاء على أي موقع إلا عدم تمكنه من الوصول إليه .

القضاء على إمارة عسير
عندما أدرك الأمير محمد بن عائض أن الموقف أكثر تعقيدا مما كان يتصور وأن عدوه يملك قوة لا قبل له بمواجهتها أرسل الشيخ ( فايز بن غرم العسبلي ) إلى بارق لعقد الصلح مع رديف باشا ولكن رديف باشا لم يقبل الصلح بل غدر بالرسول ووضعه في الأغلال ، وواصل تقدمه نحو عسير ويبدوا أن رديف باشا قد أستبد بالموقف تماماً ولم يقبل مساعدة الأشراف أو مشورتهم مما دفع الشريف عبد الله بن محمد ابن عون وأخوته وأعوانه إلى ترك القنفذة والعودة إلى جدة على اقرب سفينة متوجه إلى هناك .

تقدمت قوات رديف باشا فاستولت على محايل وعلى الرغم أنها لم تواجه مقاومه تذكر في محايل إلا أنها انتشرت بينها الأمراض بسبب هواء تهامة ومياهها ، فسقط ما يقرب من ربع عدد جنود رديف باشا صرعى المرض والجفاف ولزموا الفراش في المستشفى العسكري الذي أقيم هناك ، ومع أن أكثرهم تماثل للشفاء إلا أنهم بسبب وعورة الطرق وشدة الحر والمعاناة التي مروا بها تعرضوا للضياع والموت ومع كثرت الصعوبات التي واجهت تلكم القوات في محايل إلا أن رديف باشا قرر اتخاذها مركزاً رئيسياً يربط بين السراة وبين ميناء حلي ، وتم إنشاء العنابر والمخازن اللازمة كما نقلت المؤمن والذخائر المهمة إلى حلي وأبقي طابور ونصف في محايل ووزع طابور ونصف في حلي ، كما وزع طابور ونصف على الموقع على طول الطريق من حلي إلى محايل لتأمينه . وإضافة إلى احتياطات الأمن السابقة فقد أراد رديف باشا أن يثبت سطوته وقوته فقبض على بعض السكان وأتهمهم ببث الرعب بين الرعاة واقتيدوا إلى احد المخافر وتم القصاص بهم في محايل على مرأى من الناس .

كان رديف باشا ينظم قواته ويكمل استعداداته في محايل و محمد بن عائض يعسكر بقواته رأس عقبة تيه ظناً منه أن رديف باشا ن يجد طريقاً مناسباً لمدافعه وأثقاله إلى تلك العقبة لسهولتها بالنسبة للعقبات الأخرى ولكن الخائن ( عمر بن عبد الله الكناني ) طلب من رديف باشا أن يسلك طريق رجال ألمع وأن يصعد من عقبة الصماء ، ولم يكن العسيرين يرون أن رديف باشا بإمكانه الصعود من هذه العقبة حيث ظنوا أنه لو تم صعود قوات رديف باشا من تلك العقبة فلن يتمكنوا من حمل غير البنادق والقليل من الأحمال ، وبعد دراسة رديف باشا للموقف من مختلف جوانبه أدرك أنه لو حاول الصعود من عقبة تيه فيكون عليه أن يصطدم بقوات محمد بن عائض المتمركزة هناك ، ولذلك قرر أن يأخذ برأي الكناني ، ولكنه قام بإيهام محمد بن عائض بالاستعداد للمواجهة وعند المساء توجهت ستة طوابير نحو منطقة رجال ألمع دون علم أحد .

وكانت قوات رديف باشا أثناء مرورها بقوات رجال المع تطلق الأعيرة النارية في الهواء وتمشط المناطق التي تعتقد أنها قلاع وأبراج قد يتخذها الأعداء وتبحث عن رجال محمد بن عائض فيها ، وعند وصولها إلى الشعبين مركز رجال المع تظاهرة القوات باتجاهها جنوباً ناحية ( ريدة ) للتمويه ثم غيرت طريقها فجأة واتجهت شمالاً نحو عقبة الصماء وذلك بهدف مفاجأة محمد بن عائض بالصعود من عقبة الصماء ، بينما كان لا يزال يعسكر في جهة تيه ، وعندما وصل الجيش إلى أسفل العقبة قبيل المساء تم اختيار الجند النشيطين والأقوياء مع قادتهم وانطلقوا بسرعة مذهلة حتى تمكنوا من وضع مخافر لهم على رأس العقبة قبل طلوع الشمس بينما لحق بهم من تبقى من الجند والأحمال والأثقال في اليوم التالي ولم ينتبه العسيريون إلا حين سمعوا أصوات المدافع التي أطلقها جند رديف باشا ابتهاجاً بصعودهم إلى رأس العقبة بسلام .

وإذا كان لنا من ملاحظة على موقف محمد بن عائض فهو ضعف وسائل الاتصال بين مراكز قواته المرابطة في رجال المع وبين قواته الموجودة في السراة مما جعله عاجزاً عن التعرف على اتجاه أعدائه ومدى استعدادهم ونوعية أسلحتهم فتمكنوا من مفاجأته من المكان الذي لم يتوقع قدومهم عن طريقه إطلاقاً .





الحلقه الأخيره

أنسحب محمد بن عائض إلى السقا وكان كل شيء على ما يرام في عاصمته ، فقد كانت الحصون المنيعة مليئة بالرجال والعتاد والطعام والتي كان قد أعدها مسبقاً بذلك ليقينه بالحصار ، وكانت حصون السقا في مواقع إستراتيجية تمكن المتحصنين فيها من إلحاق أفدح الأضرار بالقوات المهاجمة ، ومما زاد من قدرة قوات محمد بن عائض على الصمود أنه أبقى ستة آلاف مقاتل خارج الحصون ، وجعل مهمتهم تتركز على مهاجمة القوات العثمانية المتمركزة حول السقا .

وكاد النصر يحالف العسيرين نظراً لغزارة النيران التي واجهوا بها القوات العثمانية ، ولتمركزهم في مواقع حصينة ، وعندما انهارت معنويات العثمانيين وارتفعت معنويات العسيرين انطلقت قذيفة من مدافع العثمانيين فاخترقت جدار أهم حصون السقا ويسمى حصن مسمار ، وكانت الذخيرة في الطابق الأسفل فاحترق الحصن بمن فيه ، فسقطوا شهداء في سبيل الله دفاعاً عن بلادهم وأموالهم وأعراضهم .

وكان لهذه الفاجعة أكبر الأثر في موقف محمد بن عائض لأن الحصن الذي حدث فيه الانفجار كان يحوي خيرة رجاله وأفضل أسلحته وكميات كبيرة من الذخيرة ، كما أن الحادث كان ذا أثر سيء على نفسيات قوات ابن عائض فالموقف قد أنقلب لصالح القوات العثمانية التي كانت قد واجهت مقاومه صلبه .
إلا أن معركة السقا لم تنته بعد هذا ألانفجار الهائل بل بقيت الحصون البقية صامدة واستمرت المعركة لمدة ستة أيام وانتهت بانسحاب محمد بن عائض على رأس قواته إلى الحفير ثم إلى عقبة ريدة ذات الموقع الحصين في تهامة .


وعندما تحصن محمد بن عائض في ريدة أدرك رديف باشا أن أمير عسير ينوي الصمود في هذا المعقل الحصين ، ولذلك فقد ضرب عليه الحصار من جهة السراة ، ثم أنصرف إلى تثبيت سيطرته على ما استولى عليه من بلاده ، كما أنه أدرك أن عاصمة عسير الثانية لم يتم الاستيلاء عليها ، فرأى أن يسيطر على مدينة أبها حتى يطمئن بأنه لن تصل لابن عائض نجدات عندما يشدد حصار ريدة ، فتوجه على رأس أربعة طوابير إلى أبها فتمكن من السيطرة عليها بسهولة .


وفي هذه الأثناء وبينما شجعان عسير محاصرين في ريدة تقدم بعض ضعاف الأنفس إلى رديف باشا مقدمين له فروض الطاعة والولاء وعلى رأسهم ( لاحق بن أحمد الزيداني ) الساعد الأيمن لأمراء عسير ، حيث كان قائداً من قواد عائض بن مرعي ثم حل مكانا رفيعا في عهد محمد بن عائض ، ولكنه عندما أدرك أن أمجاد محمد بن عائض قد ولت قلب له ظهر المجن وأتجه إلى رديف باشا مستسلما وعارضاً عليه خدماته .

عندما انتهى رديف باشا من تأمين مؤخرة جيشه التفت إلى محمد بن عائض التمركز في ريدة وحاول الضغط عليه عسكرياً ولكنه لم يفلح في ذلك ، عند ذلك رأي رديف باش أن يدخل في مفاوضات مع محمد بن عائض وذلك حتى يضعف همت المقاومين . فأرسل محمد بن عائض أخاه سعيد بن عائض للتفاهم مع رديف باشا فكبله بالأغلال وألقاه في السجن وهنا تأزم الموقف بين الجانبين وعاودت قوات رديف باشا قصف ريدة من السراة ولكن ذلك لم يجد شيئاً لأن المدافع التي صعد بها رديف باشا إلى السراة ليست من المدافع الثقيلة ، ونظراً لمناعة حصون ريدة فقد كان من المستحيل على هذه المدافع أحداث أي أضرار بالحصون التي يتحصن فيها محمد بن عائض ورجاله .

وبعد الدراسة والاستقصاء تأكد لرديف باشا أنه لابد من مدافع ذات مدى طويل ولما كانت تلك المدافع
قد تركت في القنفذة ، لذا فقد قرر القادة العثمانيون بعد المشاورة إحضار هذه المدافع إلى الشقيق ، لأنها أقرب ميناء إلى ريدة ، وتقرر أن يكون برفقتها أحمد مختار باشا وبصحبته أربعة طوابير ليتمكن من حصار ريدة من جهة تهامة .

تفاجأ العسيرين وهم في غفلة من أمرهم فلم يشعروا إلا عندما أطبقت عليهم قوات مختار باشا من تهامة وبهذا أحكم الحصار على قوات محمد بن عائض المتحصنة في ريدة . كان وصول مختار باشا إلى ريدة من جهة الغرب يمثل بداية النهاية لمقاومة عسير ، لأن حملة مختار باشا كانت تصطحب معها مدافع لم تستخدمها من قبل ضد المدافعين العسيرين ، وعندما اقتربت قوات مختار باشا من حصون ريدة ، وجهت مدافعها إلى بعض نقاط القلعة فأحدثت ثقوباً ودماراً في القلعة مما أربك محمد بن عائض نظراً لقوة هذه المدافع .

وعلى الرغم من الشجاعة الفائقة التي أبداها العسيريون ، إلا أن موقعهم أصبح سجناً لهم ، لكون القوات العثمانية أحكمت الحصار عليها من كل الجهات ، فوزعت المخافر من كل الجهات ومنعت الدخول والخروج من ريدة وإليها ، وقد استخدم العثمانيون مدافعه بدرجة كبيرة لفتح ثغرات القلاع ونوعوا هجماتهم على تلك القلاع ، فكزوا على كل حصن على حدة ، وقد قابلهم العسيريون بمقاومة عنيفة حتى أن أحد المعارك حول أحد الحصون استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة ووصل القتال إلى حد استعمال السلاح الأبيض .

وعندما أشتد الحصار على محمد بن عائض توسط شريف مكة لدى الباب العالي ليمنح محمد بن عائض عفواً مقابل استسلامه ، فوافق وأرسل فرماناً هذا نصه" إنك آمن بأمان الله ورسوله ، وأني قد قبلت جميع مطلبك الذي عرضت علينا بواسطة شريف مكة ، وما عليك إلا تسليم البلاد لرديف باشا وأموالك وخيولك وجميع أملاكك مع الحصن لا تمسها عساكرنا بسوء إلا إذا لم تتبع أمرنا هذا السلطاني "

فلما أطلع محمد بن عائض على منطوق الفرمان كتب لمختار باشا يقول فيه " أني دخلت تحت طاعة السلطان حسب الفرمان .

ويبدوا أن محمد بن عائض كان يريد الاستلام ولكنه كان يريد الاستلام بشرف ، وذلك ما كان يعارضه القائد المتغطرس رديف باشا .
ولذلك فقد تكررت محاولة الصلح بين محمد بن عائض وبين مختار باشا هذه المرة ، حيث طلب عبد الرحمن بن مفرح الذي قد تم أسرة أن يسمح له بكتابة خطاب إلى محمد بن عائض يدعوه إلى الاستسلام ، ومع أن محمد بن عائض قد رفض الاستسلام في البداية وسمح لأعوانه بالهرب بأنفسهم أن استطاعوا ذلك ، واستمر صامداً مع مجموعة من أخوانه ورجاله الأوفياء ، إلا أن رجاله رفضوا الهرب ورضوا بالمصير الذي يلاقيه أميرهم ، وعندما أدرك محمد بن عائض أن شجاعة الرجال لا تنفع إذا تكاثر الأعداء ، قرر أن يستسلم لمختار باشا القائد المحنك والمحافظ على العهود .

وفي شهر محرم عام 1289هـ بعد صلاة المغرب قدم محمد بن عائض مع عشرة من أتباعه إلى مقر قيادة أحمد مختار باشا وطلب الأمان على حياته وماله ونفسه ، وتم استسلام قلاعه وحصونه واسر كل من فيها من الرجال . كما نهب الأموال والأسلحة والذخائر والأرزاق .

وتختلف المصادر التاريخية في تحديد الطريقة التي قتل بها محمد بن عائض ومجموعة من رجاله ، حيث أن رديف باشا كان هو القائد العام وقد حز في نفسه أن ينال أحمد مختار باشا شرف إلقاء القبض على محمد بن عائض وكان يصر من البداية على وجوب استسلامه له دون قيد أو شرط . وعندما علم باستسلامه لمختار باشا على شروط تضمن سلامته وسلامة أمواله وحاشيته ، نزل إلى تهامة لاستلام قلعة ريدة وعندها غضب عندما رأى محمد بن عائض جالساً إلى جانب أحمد مختار باشا فأمر بقتله مع كبار رجالات عسير وشيوخها ، وقد فهم سعد بن عائض كلامه حيث كان يعرف بعض الكلمات التركية فتقدم إليه وطعنه بخنجر مسموم كان يخفيه ، مما أدى إلى وقوع معركة غير متكافئة بين محمد بن عائض ورجاله العزل من جهة وحراس رديف باشا من جهة أخرى ، واستشهد فيها محمد بن عائض ومجموعة كبيرة من أخوانه وبعض كبار عسير وتم اسر من تبقى وكانوا في حدود ستمائة رجل أرسلوا جميعاً إلى اسطنبول . أما رديف باشا فقد ظل متأثراً بجراحه ونقل إلى ميناء الشقيق حيث توفي هناك .

ومهما يكن من شيء فإن القضاء على إمارة عسير كان قد تم بناء على أوامر من الباب العالي ، ولم يصل رديف باشا إلى عسير متكبداً الصعاب والأهوال ليمنح محمد بن عائض ورجاله أوسمة الشجاعة ، بل أنه وصل على عسير ليستأصل هذه الإمارة وإلى الأبد ، لما الحقته بالدولة العثمانية من متاعب وخسائر على يد عائض بن مرعي ثم ابنه محمد بن عائض . مما جعل الدولة العثمانية أمام أحد أمرين : أما التخلي عن اليمن وعسير وجزء من الحجاز ، وإما التحرك بسرعة وقبل فوات الأوان للقضاء على نفوذ محمد بن عائض الذي أخذ يتسع بشكل لا يمكن السكون عليه وقد اختارت الدولة العثمانية الأمر الثاني وقررت القضاء على إمارة عسير بكل قوة وقسوة ، حتى تمنع قيام أي إمارة فيها بعد أن تقوم بتهديد المناطق التابعة لها في الحجاز واليمن .

وكان رديف باشا دقيقاً في تتبع شيوخ عسير ، حيث كان أول سؤال وجهه لأحمد مختار باشا عندما قابله عن عدد المشايخ الذين تم إلقاء القبض عليهم ، فأخبره أحمد مختار باشا بأنه ألقى القبض على عشرة مشايخ فقط ، وكان مع رديف باشا الخائن (عمر الكناني ) الذي أخبره بأن عدد المشايخ الموجودين في ريدة ثلاثة عشر ، فأمر بالبحث عنهم وقد عثر عليهم في أحد الحصون وهم شيخ بالأسمر وشيخ بالأحمر والشيخ بني مغيد ،
ومن أبرز الأسرى كذلك سعيد وعبد الرحمن واحمد وعلي ويحي أبناء عائض بن مرعي ، وسعد بن محمد بن عائض وفاطمة بنت سعد بن عائض .
بالإضافة إلى مجموعة من كبار عسير منهم : على بن محي ومحمد بن لاحق وحسن بن عبد الله وعلي بن هادي بن امسلمي وسعيد بن محمد بن علي بن مجثل وعلي بن طامي بن شعيب ومحمد بن عبد الوهاب المتحمي .
أما بقية كبار عسير فقد سقطوا قتلى خلال المعركة التي جرت بين محمد بن عائض ومن معه من جهة وبين رديف باشا وحرسه من جهة أخرى .
وكان ممن قتل في تلك المعركة : محمد بن عائض وأخواه سعد وعبد الله ، وسليمان بن عبد الوهاب المتحمي ، وراسي بن مغرم بن ثابت الشهابي شيخ قبائل سنحان ، ودليم بن شائع شيخ قبائل قحطان ، ومحمد بن سليم شيخ قبائل آل الصقر ، وزيد بن شفلوت وناصر بن كدم من مشايخ قحطان ، وعبد العزيز بن محمد الغامدي ، وابن عيّاش الغامدي ، وجمعان بن رقوش شيخ شمل قبائل زهران ، ومبارك بن فرحان الدوسي . وغيرهم كثير ممن قتلوا غدراً وخيانة بعد أن أعطوا الأمان من قبل رديف باشا .

وعلى الرغم من كل صنوف القسوة والإذلال التي لحقت بعسير ظلت المقاومة لسنوات عديدة بعد سقوط ريدة ، فعندما حاول العثمانيون الاحتفال بذلك النصر على عسير ظهر أحد أمراء آل عائض مرة أخرى في أبها ، ثم توجه واستولى على السقا ، كما تمكن من قطع الاتصال بين القوات العثمانية في السراة وبين مراكزها في محائل والقنفذة عن طريق الاستيلاء على رؤوس العقبات المؤدية إلى تهامة وقد تمكن من ذلك ، مما أوقع القوات العثمانية في حرج كبير .

كما ثارت معظم قبائل عسير وبخاصة قبائل رجال ألمع وبالأسمر وبالأحمر وبني شهر وغامد وزهران ، وكانت الحرب سجال بين الطرفين ، ولكن المحصلة النهائية للحرب أن الدولة العثمانية احتفظت بقوات لها في المراكز الرئيسية في عسير مثل : أبها والسقا والشعبين ومحائل ورغدان والنماص ، بينما ظلت القبائل تسيطر على بقية أجزاء عسير ، وعلى العموم فقد كانت إستراتيجية الدولة العثمانية تقوم على الاستيلاء على المراكز الرئيسية فقط ولم تكن تهتم بشؤون القبائل ومشاكلها ، وإنما تركت كل السلطان في أيدي شيوخ القبائل . وقد استمر الحال على ذلك حتى جلاء العثمانيون نهائياً من عسير عام 1337هـ / 1918م بعد انهزامهم في الحرب العالمية الأولى ، وقد تسلم أمور البلاد منهم الأمير الحسن بن علي آل عائض والذي يعتبر آخر حكام آل عائض حيث أنتها حكمه عام 1341هـ بدخول عسير تحت حكم المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود .


إنتهى







توقيع محمد الأحمري
 
  رد مع اقتباس