منتديات الفطاحله

منتديات الفطاحله (http://www.ftahilah.com/index.php)
-   منقول الأدب العربي (http://www.ftahilah.com/forumdisplay.php?f=201)
-   -   حالة نفسية (http://www.ftahilah.com/showthread.php?t=23103)

راشد اليماني 07-09-2008 04:22 AM

حالة نفسية
 
هذه ليست مذكرات كما قد يظن البعض ، ولكنها جزء من العلاج ... ومرحلة أوجب علي الطبيب أن أسير فيها علي أن أتخلص من مشكلتي ، وعموما تبدو لي هذه الطريقة جميلة فأنا لست مضطرا للكلام لكي أعبر عن مشاعري ، وما أكتبه هنا ربما لايراه غيري ، وهذا الشئ يريحني كثيرا ... في البداية لم أكن مقتنعا كثيرا بهذه الطريقة ، ولكن وحتي أقطع الطريق علي أصرار الدكتور فقد وافقت أن أكتب كل شئ يدور بخاطري ، ثم سأكون مخيرا هل أعطي ماكتبت ليقرأه ، أم أخفي أوراقي ليبقي الجميع في حيرة يفكرون في سبب صمتي المفاجئ " .
أغلق الدكتور سامي الملف الموضوع أمامه ، وإتصل بسكرتيره وطلب منه ألا يدخل أحدا عليه ، ثم طلب كوبا كبيرا من القهوة وعاد للقراءة من جديد ، كان هذا الملف يتعلق بمريض إسمه سعد .. شاب في الثانية والثلاثين من عمره ، قدم إليه قبل فترة مع رجل آخر يعرفه سامي .. وبدأ بصحة جيدة إلا أنه كان يرفض الكلام أو الإجابة علي أي إنسان .. ولذلك لجأ الدكتور إلي هذه الطريقة عله يخرج سعد من صمته ويعرف السر خلف هذا الجدار الذي يجلس أمامه .‎
قلب الصفحات ليلقي نظرة علي مواطن متفرقة وإستوقفته هذه الكلمات " أنا لا أدري متي شعرت بالتعارض من حولي ... كان كل شئ يبدو منقسما البيت والمدرسة .. الأقارب والأصدقاء .. كنت أشعر أنني أعيش في المكان الواحد بأكثر من صورة .. فأبي يأمرني بشئ وأمي تأمرني بعكسه في بعض الإوقات ... وفي المدرسة يطلب الأستاذ منا ألا ندخن ، ثم يأتي لزميلي ليطلب منه سيجارة .. وهكذا كل شئ حولي " .. توقف سامي عند هذه النقطة وأخذ يفكر .. صحيح ربما كنا في أنفسنا نحمل تناقضا يدركه هذا المريض .. تري ماذا نفعل بأطفالنا ؟ وأي شخصيات سنكون فيهم ؟ .
أخذ سامي رشفة من القهوة وعاد يقرأ .. " موضوع الكتابة هذا بدأ يروق لي .. لا أدري لماذا ، ربما لأنني أشعر أنني أعبر عما في نفسي دون قيود أوخوف .. أنا أكتب لنفسي فقط .. وإذا أراد الدكتور أن يقرأ فهو مسؤول عن نفسه ولكنني سأكتب مافي نفسي .. وسأعبر كما أريد .. أذكر أن المدرس ضربني وأنا صغير .. لم أفعل شيئا .. فقط قلت له إنني لم أتكلم .. وأن الذي تكلم هو إبن المدير .. فضربني وإتهمني بالكذب .. ولكني حقيقة لم أتكلم .. يومها عوقبت مرتين .. من أجل الكلام .. ومن أجل الكذب .. مع أنني قلت الحقيقة " .. توقف سامي وأخذ يفكر .. هل أفعل هكذا في أبنائي ؟ هل أنا مجرم في حق أولادي ؟ هل يتكلم سعد عني ؟ .
ترك الأسئلة وعاد ليقرأ من جديد .. " يظن الدكتور أنني مريض نفسيا .. أنا أبتسم الآن .. منذ مدة لم أشعر بهذه السعادة .. لكن هل يشعر الآخرون بما أشعر به ؟ تري لو طلبت من الدكتور أن يكتب كما أكتب الآن ، ماذا سيقول ؟ " .. توقف سامي وأخذ يفكر .. نعم صحيح ماذا سأكتب ؟ .. هل سأدون مواعيدي ؟ .. ومشاكل العيادة المالية ؟ .. أم التباين في شخصيات المرضي ؟ .. أم زوجتي الغاضبة ؟ .. أم جاري الذي لم ألتق به منذ أشهر ؟ .. شعر بصداع من كثرة الأسئلة وعاد للقراءة .. " ربما سيكتب الكثير .. ولكن هل سيشعر بالسعادة مثلي الآن .. وهل سيكون صريحا كما أفعل الآن .. مشكلة الذين لايعلمون أنهم ليسوا بصرحاء .. أي أن من لم يجرب أن يكتب سيكذب علي نفسه .. لأنه يكتب للآخرين .. ولذلك سيحرص أن يظهر بينهم بصورة حسنة " .. صعق سامي لهذه الفلسفة .. تري من هو المريض الآن ؟ لايمكن أن يكون كاتب هذه الكلمات مريضا .. شعر أن سعدا يعريه أمام نفسه .. شعر أنه يعري كل شئ أمامه .. كان يتقازم مع الكلمات .. كم يحتاج لشخص مثل سعد يكسر أصنام الكذب داخله .. المركز والشهادات .. المجتمع والنفاق الإجتماعي .. كل هذا الكذب يحتاج إلي تكسير .
" منذ أن رحلت أمي رحمها الله شعرت بوحدتي .. كانت تعني كل شئ بالنسبة لي .. حتي أبي رحمه الله لم يكن قريبا مني مثلها .. كانت هي الأم والأخت والرفيقة وكل المعاني .. إذا أردت الصدق فأنظر له في موقفين .. في ضحكة طفل برئ .. وفي لمسة أم لأبنائها .. كل الصدق يرحل مع هذين " .
ألقي سامي الأوراق ولبس معطفه وخرج من المكتب مسرعا .. لايمكن أن يجد سعدا لأنه رحل ولن يعود .. إنقطع عن الحضور إلي العيادة ولكنه أرسل له هذه الإوراق بالبريد .. أخذ سامي يقطع الطريق في عجلة .. وهناك في الجزء الآخر من المدينة وقف أمام بيت في الظلمة .. توقفت السيارة ونزل سامي يجري ليقرع بابا بدأ مهترئا نوعا ما .. وينتظر الرد من الداخل .. شعر بالثواني تمر كحد السيف تمزق عنقه .. وقرع الباب ثانية وردد الصمت صدي الباب المهترئ .. وعاد سامي ينتظر الرد من الداخل .. وصله صوت ضعيف ..
_ من هناك ؟
_ هذا أنا .. الدكت.. هذا أنا سامي
وأنقطع الصوت .. ووقف سامي ينتظر ردا يفتح له الباب .. ولكن لم يأت أحد ، وفجأة فتح الباب وظهرت إمرأة عجوز .. كانت في السبعين من عمرها تقريبا .. غطت رأسها بشال أبيض كعادة نساء القري .. وألقت شيئا منه علي وجهها .. فتحت الباب في هدوء ونظرت إلي الواقف أمامها بشئ من الشك .
_ من أنت يابني ؟
_ أنا .. سامي ياأمي .
_ .. لم ترد عليه العجوز .. ولكن نشيجا حمله الصمت بدأ يحكي القصة
_ سامحيني يا أمي .. وألقي نفسه علي يد أمه يقبلها
_ الله يسامحك يابني
... عاد سامي مع أمه في تلك الليلة .. وتحلق الأطفال حول الأطفال وهم يجرون .. وسامي ينظر إليهم .. نعم لقد كانت حالة نفسية .. وكان يحتاج طبيبا مبدعا صادقا كسعد .

راجي الحاج 07-09-2008 09:21 PM

رد: حالة نفسية
 
[align=center][color=#00008B]الله ما اروعها يا راشد يا يماني

مؤثره مؤثره مؤثره

وكلنا الدكتور سامي وكلنا نحتاج لسعد ليوقظ فينا نفاقنا الإجتماعي

وليوقظ فينا غفلتنا

سلمت ياراشد على هالإختيار الأكثر من رائع

دمت بخير[/color][/align]

إبتهال الجنوب 03-01-2009 09:02 PM

رد: حالة نفسية
 
بسم الله الرحمن الرحيم

ما أجمل ذاك الطرح

شكرا لجهدك وحسن الاختيار

تحيتي و تقديري

اصيل 30-11-2010 07:25 PM

كتبت فأمتعت
شكراً لك
تحياتي

السريع 30-11-2010 07:27 PM

شكرا لك
وبارك الله فيك
تحياتي

السريع 30-11-2010 07:32 PM

شكراً لما امتعتنا به
تحياتي

اللهيب 30-11-2010 07:56 PM

شكرا لك
وبارك الله فيك
تحياتي

المورد 04-12-2010 11:12 AM

بارك الله فيك
على ما تقوم به
احترامي

المؤذن 04-12-2010 11:48 AM

بارك الله فيك
على ما تقوم به
احترامي

الحويطي 05-12-2010 09:11 AM

بارك الله فيك
كتبت فقرأت فاستفدنا
تحياتي واحترامي


الساعة الآن 09:03 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات الفطاحلة