تزوج شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي من ابنة عمه المرحوم
محمد العبدالرحمن القاضي (ت 1300هـ) فأنجبت له له ابنه البكر عبدالله ,
ثم توفيت رحمها الله .. وبقي الشاعر فترة عازبا , ثم تعلق قلبه بابنة جيراهم
المرحومة هيا المنصور الزامل , وعشقها عشقا قيسيّا جنونيا , وتغزل بها في شعره ,
لكنه الغزل العذري الحشيم .. الذي يصف المشاعر وآلام الوجد والشوق ..
وقد بلغ به الوجد مبلغا عظيما حتى وقع طريح الفراش , وبرّح به الحب , وذوت
حاله , وضعف جسده , وتهالكت روحه .. وقد اجتمعت طائفة من أهل الحل والعقد
في أسرة الشاعر , وقررت الذهاب إليه وعيادته في مرضه والاطمئنان على صحته ظاهرا ,
ثم نصحه بالتخلي عن غوايته وما يرونه مجونا في أخلاقه .. وهو الهدف من الزيارة
فدار بينهم حوار سجله الشاعر بدقة متناهية في هذه القصيده :
حل الفراق وبيـح الوجـد مكنـون=قلبٍ تعايوا فيـه شطريـن الأطبـاب
حيران قلبـي بالزناجيـل مسجـون=في سجن ابن يعقوب أنحى وهو شاب
وبي علة أيوبٍ وغربـال ذا النـون=وبي عبرة المكظوم أناجبت ما جـاب
وبي زفرة ٍ كل المـلا مـا يطيقـون=معشارها لو هي بصـمّ الصفـا ذاب
لا شك ما يكتب على العبد بالكـون=يجري قضاه وكل شيء لـه أسبـاب
لي بين حرف العين والصاد مضنون=والكاف طاف بزين تلعـات الأرقـاب
غروٍ شعاع الشمس يوضي بمقرون=حجاجه قناديل الحـرم بيـد شبّـاب
لحظيه مسلولٍ من الهنـد مسنـون=وحراب يطعن بـه ويعلّـق بنشّـاب
بين شفتيه من أشرف الدر مثمـون=حصٍّ وياقوتٍ بهن صـرف الألبـاب
به سحر هاروت ومـاروت مقـرون=والصرف يغذى من جبينه وينجـاب
كامل وصوف الزين أنا منه مطعون=بسهم يسلّ الروح بـه سـل دولاب
وبقيـت مشغـوفٍ هبيـلٍ وخلّـون=مثل الطريح اللـي تدالتـه الأسبـاب
يا علي قتل الروح هو ذكر مسنـون=تفتون بأيّـا مذهـبٍ حـلّ وكتـاب
روحٍ تسام وسيّمـه بـاع مديـون=يا من يسوم الروح للخيـر كسّـاب
فصخت ثوب الستر وأبديت مضمـون=سدٍّ فضحه النـوح والدمـع سكّـاب
يحـق زعـج الدمـع دمٍّ لمفتـون=قلـبٍ وعيـنٍ مغريـات بالأحبـاب
متحمّلٍ لو قالـوا النـاس مجنـون=فأنـا لمـا قالـوا صميـمٍ وعتّـاب
ما لامن أحدٍ لو عن الحـال يـدرون=ومن لامني بمـورّد الخـد ينصـاب
تشيله رياحينٍ من الجـانّ يـدوون=بالسبع سبع سنين ما عنـه نبّـاب
في حب غطروف برى الحال وادعون=بري القلم في كـف شطـرٍ وكتّـاب
جاني من أقرابي نصاحـى يعـزّون=قالوا سفا بالحال ياحيـف منصـاب!
علام جسمك ناحل؟ قلـت مطعـون=قالوا بعقّ؟ قلـت بحـراب الأحبـاب
قالوا من أنت بحربته؟ قلت تـدرون=إني كما حيـران (حمّـام منجـاب)
عرّضتكـم بالله لا لــي تعـذلـون=ياناس كثر القول والنصح مـا ثـاب
قالوا تصرّ من الهوى قلـت فاتـون=عن حال مفتونٍ بحـوري الأتـراب
قالوا هبيلٍ قلـت قالـوا (لمجنـون=ليلى) مثل هـذا وأنـا عاصـيٍ آب
ياناس عنكم شاطن القلب مشطـون=أنتـم تـرون الحـال منتـم بغيّـاب
أنا بـوادي التيـه وأنتـم تهرجـون=بيني وبين هرجكـم ستـر وحجـاب
كان إنكم ترضون باللـي تعرفـون=محيي العظام الباليـة رب الأربـاب
والله ماأسمع هرجكـم لـو تلجّـون=بالصوت يندب منكم الشيخ والشـاب
إلا إن سمع فرعون ما قال هـارون=أو يسمع الميت نبـا صـوت نحـاب
أظن من وصل الدرك لـه يعـذرون=كل الخلايق لو رمى عنه الأسـلاب
وعقلٍ عْرِجْ به وأذهل الذهن مرهون=روحـه لكنّـه بيـن لاوي وجـذّاب
ياعلي حـدّ النفـس مادونهـا دون=ولا مع الحييـن ترجيـن بحسـاب
مني صـلاةٍ عـدّ كايـن ومكيـون=على النبي والآل منـي والأصحـاب