أحبتي أسرة منتديات الفطاحلة
صباحكم/مساؤكم خير ، وشعر ، وعطر
تحل علينا اليوم أيها الأحبة ذكرى أليمة وسعيدة في آنٍ معاٍ ، ففي مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات بالتاريخ الهجري تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله مقاليد الحكم في البلاد بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله.
ولأن الفقيد الراحل رجل ليس ككل الرجال ، وملك يختلف عن كل الملوك ، له من المآثر والآثار ما تضيق به صفحات الحواسيب ، وقد عاصر رحمه الله حروبا ومآسٍ وحوادث شتى ، كان فيها رحمه الله كالطود الأشم رسوخا وثباتا ، لذلك كان خبر وفاته رحمه الله له وقع مختلف ، فكانت هذه المتواضعة أمام قامة بحجم الفهد رحمه الله.
مَوْتُ عَظِيمِ الْعَرَبِ
تَضَعْضَعَ هَذَا الْكَوْنُ وَاهْتَزَّ بَعْدَمَا=سَرَى خَبَرٌ مَشْؤُمُ ، وَاسْوَدَّتِ السَّمَا
فَجَاءَتْ بِهِ شَمْسُ النَّهَارِ كَسِيفَةً=بَدَا قُرْصُهَا لِلْعَيْنِ أَسْوَدَ مُعْتِمَا
فَأَظْلَمَ نُورُ الأَرْضِ ، وَاسْوَدَّ يَوْمُهَا=وَغَابَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ إِذْ صَارَ أَدْهَمَا
وَغَارَتْ بِحَارٌ ، فَاسْتَقَلَّتْ جَزَائِرٌ=وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُونَ زِلْزَالَ سُونَمَا
بِمَوْتِ عَظِيمِ الْعُرْبِ ، حَامِي دِيَارِهَا=إِمَامِ الْهُدَى ، بَحْرِ النَّدَى ، حَاقِنِ الدِّمَا
فَطَيْبَةُ تَنْعَى لِلأَنَامِ إِمَامَهَا=نَعِياًّ أَتَى لَيْسَ الْحَدِيثَ الْمُرَجَّمَا
وَأُمُّ الْقُرَى تَبْكِي الْقُرَى مِنْ بُكَائِهَا=وَنَجْدٌ أَقَامَتْ في دُجَى اللَّيْلِ مَأْتَمَا
وَهَذَا طُوَيْقٌ حَاوَلَ النَّوْحَ مِثْلَهُمْ=فَعَزَّ بُكَاءُ الطَّوْدِ ثُمَّ تَحَطَّمَا
وَضَجَّ مِنَ الأَحْزَانِ مَسْرَى مُحَمَّدٍ=يُشَاطِرُ في الْحُزْنِ الْحَطِيمَ وَزَمْزَمَا
وَهَذَا خَلِيجُ الْعُرْبِ يَبْكِي كَبِيرَهُ=فَقَدْ عَمَّهُ الْحُزْنُ الْعَظِيمُ وَخَيَّمَا
وَصَنْعَاءُ تَبْكِي وَالْجِبَالُ تُجِيبُهَا=بِرَجْعِ الصَّدَى ، فَالْخَطْبُ جَلَّ فَأَعْظَمَا
وَبَغْدَادُ وَالْفَيْحَا وَعمَّانُ كُلُّهَا=وَبَيْرُوتُ وَالْخُرْطُومُ يَبْكُونَهُ دَمَا
وَقَاهِرَةُ النِّيلِ الْعَظِيمِ أَصَابَهَا=مُصَابٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ عَنْ مِثْلِهِ سَمَا
وَفي دَارِ وَهْرَانٍ بَدَا الْحُزْنُ ظَاهِراً=وَفي تُونُسَ الْخَضْرَاءِ شَعْبٌ تَأَلَّمَا
وَتِلْكَ رِبَاطُ الْفَتْحِ يَبْكِي خَطِيبُهَا=عَلَى مِنْبَرِ الثَّانِي وَيَنْعَى الْمُقَدَّمَا
وَهَذِي بِلاَدُ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعُهَا=بَدَا الْجَوُّ فِيهَا مُكْفَهِّراً وَمُظْلِمَا
وَكُلُّ بِلاَدِ الْكَوْنِ أَضْحَتْ مُبِينَةً=مَظَاهِرَ حُزْنٍ يَمْلأُ الْحَلْقَ عَلْقَمَا
فَمَا مَوْتُ فَهْدٍ في الْمُلُوكِ كَغَيْرِهِ=(( وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا ))
هُوَ الْعَاهِلُ الْبَانِي ، هُوَ الْقَائِدُ الَّذِي=أَضَافَ بِنَاءً لِلْبِنَاءِ وَتَمَّمَا
هُوَ مَنْ لَهُ في كُلِّ أَرْضٍ مَآثِرٌ=تُشِيدُ لَهُ بِالْفَضْلِ إِنْ تَتَكَلَّمَا
أَعَادَ بِلاَدَ الْجَارِ بَعْدَ اغْتِصَابِهَا=وَأَقْدَمَ لَمَّا أَنْ رَأَى الْغَيْرَ أَحْجَمَا
أَجَلْ ، إِنَّهُ الْفَهْدُ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ=فَمَنْ غَيْرُهُ أَعْطَى الْبِلاَدَ تَقَدُّمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ بِضْعاً وَعِشْرِينَ حِجَّةً=أَقَامَ مَنَارَ الْعَدْلِ حَتَّى تَقَوَّمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ فِعْلُ الْجَمِيلِ طِبَاعُهُ ؟=وَمَنْ غَيْرُهُ رَأْسَ الْمَعَالِي تَسَنَّمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ إِنْ قَالَ قَوْلاً تَوَقَّفَتْ=لَدَى قَوْلِهِ الأَبْطَالُ لَمْ تَتَقَدَّمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ يَرْعَى الْحَجِيجَ كَخَادِمٍ ؟=وَمَنْ غَيْرُهُ يُهْدِي الْمَصَاحِفَ مُنْعِمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ في كُلِّ أَرْضٍ وَإِنْ نَأَتْ=أَحَالَ شَقَاءَ الْمُسْلِمِينَ تَنَعُّمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ يُعْطِي وَيَبْذُلُ مَانِحاً=جَمِيعَ بَنِي الإِسْلاَمِ عَيْناً وَدِرْهَمَا ؟
وَمَنْ غَيْرُهُ يَرْعَى شُؤُونَ حَيَاتِهِمْ ؟=وَمَنْ غَيْرُهُ عَنْهُمْ تَحَمَّلَ مَغْرَمَا ؟
وَمَهْمَا أَقُولُ الْيَوْمَ لَنْ أُحْصِيَ الَّذِي=أَفَاضَ مِنَ الإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ ، إِنَّمَا
أُعَدِّدُ بَعْضَ الْفَضْلِ مِمَّا عَلِمْتُهُ=وَأَكْثَرُهُ في الْغَيْبِ يَبْقَى مُكَتَّمَا
فَآثَارُهُ في كُلِّ أَرْضٍ مُقِيمَةٌ=مَدَى الدَّهْرِ لَنْ تَفْنَى ، وَلَنْ تَتَخَرَّمَا
عَسَى اللهُ أَنْ يُولِيهِ في الْقَبْرِ رَحْمَةً=وَفي يَوْمِ حَشْرِ الْخَلْقِ يُولِيهِ أَنْعُمَا
وَيَا سَامِعاً قَوْلِي إِلَيْكَ خِتَامُهُ=جَزَى اللهُ خَيْراً مَنْ عَلَيْهِ تَرَحَّمَا
حسين السبيعي
الدمام 26/ 6/1426هـ
الموافق 1/8/2005م