الموضوع: قطرات الماء ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 28-07-2007, 09:52 AM   رقم المشاركة : 1
ياسر الحسن محمد
كاتب أدبي
 الصورة الرمزية ياسر الحسن محمد





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  الحالة :ياسر الحسن محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي قطرات الماء ...


هناك على ضفاف النيل وفي تلك القرية التي أن رأيتها من على البعد لحسبتها أعجاز نخل خاوية لا حياة فيها ولا أمل ، هناك يقبع منزل صغير متهالك فهو يتكأ على جزع شجرة خاوية زجت في منتصفه عنوة وتسنده من الأطراف بعض طبقات الطين التي ينوشها النيل في أوقات فيضانه .
ذلك المنزل الذي يضم ثلاثة أفراد فالأب عامل بسيط مكافح والأم يطلق عليها المتفلسفون ربة منزل وطفل لازال يلهو في الطرقات من حين لآخر.
مثل كل صباح يخرج العم سيد تسبقه دراجته ودعوات زوجته متمنية له الخير والستر والعافية وتعود
احمد أمازلت نائم ؟ قم فالصبية يملئون الشوارع
حسنا : بعد قليل أمي
قلت انهض ولا تكن كسولا
وتتركه لترى ما يمكن عمله مثل كل يوم ، وكالعادة يصحو احمد ليرتشف بعضا من الحليب الطازج ثم يهرول ولازالت اثآر الحليب علي شفته العليا والكلمات المأثورة ترن بمسامعه
لا تقترب من ضفاف النيل ... عد سريعا ولا تتأخر
...... حسنا سأفعل
هناك في تلك القرية عرف سائد يتبعه الجميع فالأطفال في سن احمد لا يقربون النيل أبدا والأكبر منه قليلا يلعبون على ضفتيه والأكبر يمكن لهم الاستحمام والسباحة ومراقبة من هم اصغر منهم والكل يعود عند الثانية ظهرا ثم يتأهبون للخروج عصرا .
لم يكن احمد مثل كل الأطفال لم يكن يخرج عصرا كان يجلس مع والده بعد صلاة العصر وبعض رجالات القرية كان يستنط مذهولا لوالده وهو يتكلم في أشياء كثيرة لا يفهمها ولكنه مزهوا لأنها تخرج من بين شفتيه والكل ينظر إليه باهتمام ويستمع إليه في رهبة مثله مثل ذلك الشيخ العجوز الذي ينظر إليه الأطفال في خوف واحترام وهو يتلو عليهم ويعلمهم بعض آيات الذكر الحكيم ويعلمهم أركان الصلاة ... ويعود بعد ذلك مع والده الى ذلك المنزل العتيق ويستلقي على ظهره وينظر للقمر الذي يتسرب ضوءه من خلال السقف المصنوع من أوراق النخيل الجافة . يحلم بأن يكون مثل والده ومثل ذلك الشيخ العجوز شيخ القرية وهذا كل ما كان يعرفه ليحلم به . في احد الأيام لم يكن احمد كعادته لم يتأخر في نومه لم توقظه ام احمد نهض عند آذان الفجر وظل جالسا ينظر لأبيه ارتشف رشفات الحليب المعتادة مع والده تابع دراجته عند خروجها ثم هرول الى مرتع الصبية لعب العاب كثيرة يلعبها الصبية في مثل تلك القرى ..... ولما كان في اندماجه باللهو إذ بصبي آخر يأتي من على البعد ........
احمد .......... احمد .......... أسرع فهناك من يعبثون بمحتويات داركم ..........
اخذ الصبي يركض نحو داره لا يعلم ما سيفعل لكنه ظل يركض ويركض واستجمع كل ما لديه من قوة وشجاعة إلى أن وصل إلى داره وجد بعض الأشخاص الذين لم يرهم من قبل هم مثل أبيه ومثل رجال القرية الذين يراهم ويجلس معهم لكن هناك شئ مختلف لم يعرف كنهه . يخيفه . جعله يرتعد منهم .... سمعهم يتحدثون
منشورات ..... مظاهرات .......... معارض
لم يفهم شيئا لكنه رآهم يغادرون فاطمأن قليلا وحاول أن يهدأ من روع أمه ويطمئنها حاول أن يستجمع بعضا من محتويات الدار المتناثرة هنا وهناك . ولكن الضجيج الآتي من البعيد والذي بدأ يعلو رويدا رويدا اصاب قلبه الصغير بالخفقان .
يا الهي هل هم قادمون مرة أخرى سأضربهم .... سأقتلهم .... ولن يدخلوا هنا ، خرج إلى أول المنزل رأي أهل القرية يحملون شخص على أعناقهم ، كأنه يعرفه ........
نعم قالها الصغير انه ابـ................
وقبل أن يكمل وضعوه على الأرض مضرجا بدمائه .... نعم انه العم سيد وعلامات الأسى تملأ وجوه الذين احضروه خرجت أمه تصرخ . اخذ يعدو نحو النهر ... كسر حاجز الخوف دخل إلى الماء ملأ كفيه الصغيرتين عاد مهرولا ... كان يأمل أن تفيقه قطرات الماء التي بين يديه ....
وقف عند رأسه نظر إلى يديه وجد أن الماء قد تسرب من بين أصابعه نظر إلى من حوله فهم من نظراتهم انه لا يحتاج إلى ماء لكنه لم يفهم ابدا لماذا تسربت من بين يديه هذه القطرات .


القاهرة 1990







توقيع ياسر الحسن محمد
 
  رد مع اقتباس