المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آهٍ يا أذني!


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16

حفيد الصحابة
01-08-2008, 01:44 PM
الحَمدُ لِلهِ الذي لَم يُستَفتَحُ بِأفضَلِ مِن إسْمِهِ كَلامْ ، وَلَم يُستَنجَحُ بِأحسَنِ مِن صُنعِهِ مَرامْ ، الحَمدُ لِلهِ الذي جَعَلَ الحَمدَ مُستَحِقَّ الحَمدِ حَتى لا إنقِطاعْ ، وَموجِبُ الشُّكرِ بِأقصى ما يُستَطاعْ ..

سَلامُ اللهِ وَرَحمَتِهِ عَلَيْكُم وَبَرَكاتِهِ

أصابَ أذُني قَبلَ يَومَينِ إلتِهابٌ في طَبلَتِها ، وَأخَذَ الصَمَمُ الجائِرُ يدِبُّ في أطرافِها دَبيبَ الصَهباءِ في الجَسَدِ الفاتِرِ ، وَحَلّ السّهادُ العابِثُ بِالجِفنِ حُلولَ الزائِرِ الثقيلِ ، فَنَبا عن أذُني شَهِيُّ الصوتِ ، وَطارَ مِن جِفني لَذيذُ الكَرى ، وَسَرَت في جَسَدي رِعْدةُ الحُمّى.


ألحّ الصَمَمُ في أذُني حَتى تَرَكَني كالأصلَخِ ، فَأحوَجَني إلى رَفعِ صَوتي عِندَ الحَديثِ ، وَتَحريكِ يَدَيّ كالتُرجُمانِ ، أمّا الحُمى فَقَد تَرَكَتني أنوحُ كالمُطوقَةِ هَجرَها إلفُها الأنيس ، وَأهذي كالثّمِل عَصِفَت بِرَأسِهِ الخَنْدَريس ، فَاستَعَنتُ عَلَيها بَعدَ اللهِ بِالماءِ الفاتِرِ ، نقعتُ في نميرهِ جَسَدي الحرّان ، وَبَضعَِ أقراصٍ مَنَ [ البنادول ] سَكّنتُ بِهِ رَأسي الدَوّار ، حَتى أقلَعت حمّاها وَباخَ فَوَرانها ، فَأحسَستُ بِالعافِيَةِ يَنتَشِرُ برَدُها في جَسَدي اللاغِب إنتِشارَ الضوءِ في الأفُقِ الغابِرِ .. وَبَقِيَ هذا الصَمَمُ العَنيدُ رابِضاً لا يَرحَل ، واجِماً لا يَنبَس ، جاهِماً لا يَبسَم ، صامِداً لا يَلين!

بِتُّ لَيلتَي أطبِّبُ نَفسي مِن هذا الداءِ العَيَاءِ بِقطراتٍ كَصفاءِ المُزنِ ، وَدِهانٍ كَلَونِ القُطنِ ، حَتى حُسِم الداءُ ، وَنَجِعَ الدَواءُ ، وَدبّت العافِيَة ، وَزارَ غائِبُ الكرى ؛ فَطَرِبَ في أذُني كُلَّ صَوتٍ ، وَساغَ في سَمعي كُلَّ حَديثٍ ، وَجَمَّلَ في عَيني كُلَّ مَنظَرٍ ، وَشَعُرتُ بِالأمَلِ الباسِمِ يومِضُ في الوَجهِ العَبوسِ ، وَدَفقةُ الحياةِ تَسري في الجَسَدِ الرَميم ، وَنَفحَةُ الخُلدِ تَنبَثِقُ في الهَيكَلِ المقوّض.

لِلَّهِ .. ما أعظَمَ نِعَمُ الرحمنِ ، وَأجلّ مِنَنَهُ عَلى الإنسانِ ، أفي مِثلِ لمَحةِ البَرقِ وَزورَةِ الطَيفِ ، يُصبِحُ هذا الدّعيّ الكَبير كَخَيالٍ طافَ في فَضاءِ الكَونِ وَمَضى ، وَسَنا لَمع في أفُقِ السَماءِ وَقَضى!
أين ذلِكَ الصَّوتُ الجَهورُ الناهِقُ ، وَاللِسانُ الفَصيحُ العاقِرُ ، وَالقَلبُ الغَليظُ كالصَخرَةِ الصَمّاءِ؟!


ما أحوَجَكَ يابنَ الأرضِ إلى ما يشذّب ناتِئ العُجْب فيك ، وَيُهذّبُ جافِيَ الطَبعِ مِنك ، وَيدمّث الخُلُقَ السَيئ ِ في شَمائِلِك.
وَما أجمَلُكِ ياعافِيَةَ حينَ تَزورينَ بَعدَ الداءِ ، وَما أبرَدُكَ يانَعيمُ حينَ تَأتي عَقِبَ البُؤسِ ، وَما أعَدُلَكَ يارَبُّ إذ بَلَوتَ بِهَذِهِ الأدواء ، فَلَولا الداء لمَ يُحمَد شِفاء ، وَلَولا الهَمُّ ما حُمِدَ السُرورُ.

فاللَّهُمَ لَكَ الحَمدُ كَما يَنبَغي الحَمدَ لِجَلالِ وَجهِكَ وَعَظيمِ سُلطانِكَ..

؛


’’, حَفيدُ الصَّحابَةِ ،‘‘